للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا لدفع مضرَّة يتوقعها مِنْهُم كَمَا هُوَ عَادَة الْمَخْلُوق الَّذِي ينفع غَيره ليكافئه بنفع مثله أَو ليدفع عَنهُ ضَرَرا فالرب تَعَالَى لم يحسن إِلَى عباده ليكافئوه وَلَا ليدفعوا عَنهُ ضَرَرا فَقَالَ لن تبلغوا نفعي فتنفعوني وَلنْ تبلغوا ضري فتضروني أَنِّي لست إِذا هديت مستهديكم وأطعمت مستطعمكم وكسوت مستكسيكم وأرويت مستسقيكم وكفيت مستكفيكم وغفرت لمستغفركم بِالَّذِي أطلب مِنْكُم أَن تنفعوني أَو تدفعوا عني ضَرَرا فأنكم لن تبلغوا ذَلِك وَأَنا الْغَنِيّ الحميد كَيفَ والخلق عاجزون عَمَّا يقدرُونَ عَلَيْهِ من الْأَفْعَال إِلَّا بأقداره وتيسيره وخلقه فَكيف بِمَا لَا يقدرُونَ عَلَيْهِ فَكيف يبغلون نفع الْغَنِيّ الصَّمد الَّذِي يمْتَنع فِي حَقه أَن يستجلب من غَيره نفعا أَو يستدفع مِنْهُ ضَرَرا بل ذَلِك مُسْتَحِيل فِي حَقه ثمَّ ذكر بعد هَذَا قَوْله يَا عبَادي لَو أَن أَو لكم وأخركم وانسكم وجنكم كَانُوا على أتقى قلب رجل وَاحِد مِنْكُم مَا زَاد ذَلِك فِي ملكي شَيْئا وَلَو أَن أولكم وأخركم وانسكم وجنكم كَانُوا على أفجر قلب رجل وَاحِد مِنْكُم مَا نقص ذَلِك من ملكي شَيْئا فَبين سُبْحَانَهُ أَن مَا أَمرهم بِهِ من الطَّاعَات وَمَا نَهَاهُم عَنهُ من السَّيِّئَات لَا يتَضَمَّن استجلاب نفعهم وَلَا استدفاع ضررهم كأمر السَّيِّد عَبده وَالْوَالِد وَلَده والأمام رَعيته بِمَا ينفع الْآمِر والمأمور ونهيهم عَمَّا يضر الناهي والمنهي فَبين تَعَالَى أَنه المنزه عَن لُحُوق نفعهم وضرهم بِهِ فِي إحسانه إِلَيْهِم بِمَا يَفْعَله بهم وَبِمَا يَأْمُرهُم بِهِ وَلِهَذَا لما ذكر الْأَصْلَيْنِ بعد هَذَا وَأَن تقواهم وفجورهم الَّذِي هُوَ طاعتهم ومعصيتهم لَا يزِيد فِي ملكه شَيْئا وَلَا ينقصهُ وَأَن نِسْبَة مَا يسألونه كلهم إِيَّاه فيعطيهم إِلَى مَا عِنْده كلا نِسْبَة فتضمن ذَلِك أَنه لم يَأْمُرهُم وَلم يحسن إِلَيْهِم بإجابة الدَّعْوَات وغفران الزلات وتفريج الكربات لاستجلاب مَنْفَعَة وَلَا لاستدفاع مضرَّة وَأَنَّهُمْ لَو أطاعوه كلهم لم يزِيدُوا فِي ملكه شَيْئا وَلَو عصوه كلهم لم ينقصوا من ملكه شَيْئا وَأَنه الْغَنِيّ الحميد وَمن كَانَ هَكَذَا فانه لَا يتزين بِطَاعَة عباده وَلَا تشينه معاصيهم وَلَكِن لَهُ من الحكم البوالغ فِي تَكْلِيف عباده وَأمرهمْ ونهيهم مَا يَقْتَضِيهِ ملكه التَّام وحمده وحكمته وَلَو لم يكن فِي ذَلِك إِلَّا أَنه يسْتَوْجب من عباده شكر نعمه الَّتِي لَا تحصى بِحَسب قواهم وطاقتهم لَا بِحَسب مَا يَنْبَغِي لَهُ فانه أعظم وَأجل من أَن يقدر خلقه عَلَيْهِ وَلكنه سُبْحَانَهُ يرضى من عباده بِمَا تسمح بِهِ طبائعهم وقواهم فَلَا شَيْء أحسن فِي الْعُقُول وَالْفطر من شكر الْمُنعم وَلَا أَنْفَع للْعَبد مِنْهُ فهذان مسلكان آخرَانِ فِي حسن التَّكْلِيف وَالْأَمر وَالنَّهْي

أَحدهمَا يتَعَلَّق بِذَاتِهِ وَصِفَاته وَأَنه أهل لذَلِك وان جماله تَعَالَى وكماله وأسماءه وَصِفَاته تَقْتَضِي من عباده غَايَة الْحبّ والذل وَالطَّاعَة لَهُ وَالثَّانِي مُتَعَلق بإحسانه وانعامه وَلَا سِيمَا مَعَ غناهُ عَن عباده وانه إِنَّمَا يحسن إِلَيْهِم رَحْمَة مِنْهُ وجودا وكرما لَا لمعاوضة وَلَا لاستجلاب مَنْفَعَة وَلَا لدفع مضرَّة وَأي المسلكين سلكه العَبْد أوقفهُ على محبته وبذل الْجهد

<<  <  ج: ص:  >  >>