للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مرضاته فَأَيْنَ هَذَانِ المسلكان من ذَيْنك المسلكين وانما أَتَى الْقَوْم من إنكارهم الْمحبَّة وَذَلِكَ الَّذِي حرمهم من الْعلم والأيمان مَا حرمهم وَأوجب لَهُم سلوك تِلْكَ الطّرق المسدودة وَالله الفتاح الْعَلِيم

الْوَجْه التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ قَوْلكُم فَلَا تكون نعمه تَعَالَى ثَوابًا بل ابْتِدَاء كَلَام يحْتَمل حَقًا وباطلا فان أردتم بِهِ أَنه لَا يثيبهم على أَعْمَالهم بِالْجنَّةِ وَنَعِيمهَا ويجزيهم بِأَحْسَن مَا كَانُوا يعْملُونَ فَهُوَ بَاطِل وَالْقُرْآن أعظم شَاهد بِبُطْلَانِهِ قَالَ تَعَالَى فَالَّذِينَ هَاجرُوا وأخرجوا من دِيَارهمْ وأوذوا فِي سبيلي وقاتلوا وَقتلُوا لأكفرن عَنْهُم سيئاتهم ولأدخلنهم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار ثَوابًا من عِنْد الله وَالله عِنْده حسن الثَّوَاب وَقَالَ تَعَالَى ليكفر الله عَنْهُم أَسْوَأ الَّذِي عمِلُوا ويجزيهم أجرهم بِأَحْسَن الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ وَقَالَ تَعَالَى وَتلك الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى أَن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة خَالِدين فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَقَالَ تَعَالَى أُولَئِكَ جزاؤهم مغْفرَة من رَبهم وجنات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَنعم أجر العاملين وَقَالَ تَعَالَى وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لنبوئنهم من الْجنَّة غرفا تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا نعم أجر العاملين وَهَذَا فِي الْقُرْآن كثير يبين أَن الْجنَّة ثوابهم وجزاؤهم فَكيف يُقَال لَا تكون نعمه ثَوابًا على الْإِطْلَاق بل لَا تكون نعمه تَعَالَى فِي مُقَابلَة الْأَعْمَال والأعمال ثمنا لَهَا فانه لن يدْخل أحدا الْجنَّة عمله وَلَا يدخلهَا أحد إِلَّا بِمُجَرَّد فضل الله وَرَحمته وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تقدم من النُّصُوص فَأَنَّهَا إِنَّمَا تدل على أَن الْأَعْمَال أَسبَاب لَا أعواض وأثمان وَالَّذِي نَفَاهُ النَّبِي فِي الدُّخُول بِالْعَمَلِ هُوَ نفي اسْتِحْقَاق الْعِوَض ببذل عوضه فالمثبت بَاء السَّبَبِيَّة والمنفي بَاء الْمُعَاوضَة والمقابلة وَهَذَا فصل الْخطاب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة والقدرية الجبرية تنفى بَاء السَّبَبِيَّة جملَة وتنكر أَن تكون الْأَعْمَال سَببا فِي النجَاة وَدخُول الْجنَّة وَتلك النُّصُوص وأضعافها تبطل قَوْلهم والقدرية النفاة تثبت بَاء الْمُعَاوضَة والمقابلة وتزعم أَن الْجنَّة عوض الْأَعْمَال وَأَنَّهَا ثمن لَهَا وَأَن دُخُولهَا إِنَّمَا هُوَ بمحض الْأَعْمَال والنصوص النافية لذَلِك تبطل قَوْلهم وَالْعقل وَالْفطر تبطل قَول الطَّائِفَتَيْنِ وَلَا يَصح فِي النُّصُوص والعقول إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ من التَّفْصِيل وَبِه يتَبَيَّن أَن الْحق مَعَ الْوسط بَين الْفرق فِي جَمِيع الْمسَائِل لَا يسْتَثْنى من ذَلِك شَيْء فَمَا اخْتلفت الْفرق إِلَّا كَانَ الْحق مَعَ الْوسط وكل من الطَّائِفَتَيْنِ مَعَه حق وباطل فَأصَاب الجبرية فِي نفي الْمُعَاوضَة وأخطؤا فِي نفي السَّبَبِيَّة وَأصَاب المقدرية فِي إِثْبَات السَّبَبِيَّة وأخطؤا فِي إِثْبَات الْمُعَاوضَة فَإِذا ضممت أحد نفي الجبرية إِلَى أحد إثباتي الْقَدَرِيَّة ونفيت باطلهما كنت أسعد بِالْحَقِّ مِنْهُمَا فان أردتم بِأَن نعمه لَا تكون ثَوابًا هَذَا الْقدر وَأَنَّهَا لَا تكون عوضا بل هُوَ الْمُنعم بِالْأَعْمَالِ وَالثَّوَاب وَله الْمِنَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>