فِي هَذَا وَهَذَا ونعمه بالثواب من غير اسْتِحْقَاق وَلَا ثمن يعاوض عَلَيْهِ بل فضل مِنْهُ وإحسان فَهَذَا هُوَ الْحق فَهُوَ المان بهدايته للأيمان وتيسيره للأعمال وإحسانه بالجزاء كل ذَلِك مُجَرّد منته وفضله قَالَ تَعَالَى يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للأيمان أَن كُنْتُم صَادِقين
الْوَجْه الْخَمْسُونَ قَوْلكُم وَإِذا تعَارض فِي الْعُقُول هَذَانِ الْأَمْرَانِ فَكيف يَهْتَدِي الْعقل إِلَى اخْتِيَار أَحدهمَا قُلْنَا قد تبين بِحَمْد الله أَنه لَا تعَارض فِي الْعُقُول بَين الْأَمريْنِ أصلا وانما يقدر التَّعَارُض بَين الْعقل والهوى وَأما أَن يتعارض فِي الْعُقُول إرشاد الْعباد إِلَى سعادتهم فِي المعاش والمعاد وتركهم هملا كالأنعام السَّائِمَة لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا فَلم يتعارض هَذَانِ فِي عقل صَحِيح أبدا
الْوَجْه الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ قَوْلكُم فَكيف يعرفنا الْعقل وجوبا على نَفسه بالمعرفة وعَلى الْجَوَارِح بِالطَّاعَةِ وعَلى الرب بالثواب وَالْعِقَاب فَيُقَال وَأي استبعاد فِي ذَلِك وَمَا الَّذِي يحيله فقد عرفنَا الْعقل من الْوَاجِبَات عَلَيْهِ مَا يقبح من العَبْد تَركهَا كَمَا عرفنَا وَعرف أهل الْعُقُول وَذَوي الْفطر الَّتِي لم تتواطأ على الْأَقْوَال الْفَاسِدَة وجوب الْإِقْرَار بِاللَّه وربوبته وشكر نعْمَته ومحبته وعرفنا قبح الْإِشْرَاك بِهِ والأعراض عَنهُ ونسبته إِلَى مَا لَا يَلِيق بِهِ وعرفنا قبح الْفَوَاحِش وَالظُّلم والإساءة والفجور وَالْكذب والبهت والاثم وَالْبَغي والعدوان فَكيف نستبعد مِنْهُ أَن يعرفنا وجوبا على نَفسه بالمعرفة وعَلى الْجَوَارِح بالشكر الْمَقْدُور المستحسن فِي الْعُقُول الَّتِي جَاءَت الشَّرَائِع بتفصيل مَا أدْركهُ الْعقل مِنْهُ جملَة وبتقرير مَا أدْركهُ تَفْصِيلًا وَأما الْوُجُوب على الله بالثواب وَالْعِقَاب فَهَذَا مِمَّا تتباين فِيهِ الطائفتان أعظم تبَاين فأثبتت الْقَدَرِيَّة من الْمُعْتَزلَة عَلَيْهِ تَعَالَى وجوبا عقليا وضعوه شَرِيعَة لَهُ بعقولهم وحرموا عَلَيْهِ الْخُرُوج عَنهُ وشهوة فِي ذَلِك كُله بخلقه وبدعهم فِي ذَلِك سَائِر الطوائف وسفهوا رَأْيهمْ فِيهِ وبينوا مناقضتهم وألزموهم بِمَا لَا محيد لَهُم عَنهُ ونفت الجبرية أَن يجب عَلَيْهِ مَا أوجبه على نَفسه وَيحرم عَلَيْهِ مَا حرمه على نَفسه وجوزوا عَلَيْهِ مَا يتعالى ويتنزه عَنهُ ومالا يَلِيق بجلاله مِمَّا حرمه على نَفسه وجوزوا عَلَيْهِ ترك مَا أوجبه على نَفسه مِمَّا يتعالى ويتنزه عَن تَركه وَفعل ضِدّه فتباين الطائفتان أعظم تبَاين وَهدى الله الَّذين آمنُوا أهل السّنة الْوسط للطريقة المثلى الَّتِي جَاءَ بهَا رَسُوله وَنزل بهَا كِتَابه وَهِي أَن الْعُقُول البشرية بل وَسَائِر الْمَخْلُوقَات لَا توجب على رَبهَا شَيْئا وَلَا تحرمه وَأَنه يتعالى ويتنزه عَن ذَلِك وَأما مَا كتبه على نَفسه وَحرمه على نَفسه فانه لَا يخل بِهِ وَلَا يَقع مِنْهُ خِلَافه فَهُوَ أيجاب مِنْهُ على نَفسه بِنَفسِهِ وَتَحْرِيم مِنْهُ على نَفسه بِنَفسِهِ فَلَيْسَ فَوْقه تَعَالَى مُوجب وَلَا محرم
وَسَيَأْتِي أَن شَاءَ الله بسط ذَلِك وَتَقْرِيره
الْوَجْه الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ قَوْلكُم أَنه على أصُول الْمُعْتَزلَة يَسْتَحِيل الْأَمر وَالنَّهْي والتكليف وتقديركم ذَلِك فَكَلَام لَا مطْعن فِيهِ وَالْأَمر فِيهِ كَمَا ذكرْتُمْ وان حَقِيقَة قَول الْقَوْم أَنه لَا أَمر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute