للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا نهي وَلَا شرع أصلا إِذْ ذَلِك إِنَّمَا يَصح إِذا ثَبت قيام الْكَلَام بالمرسل الْآمِر الناهي وَقيام الِاقْتِضَاء والطلب وَالْحب لما أَمر بِهِ والبغض لما نهى عَنهُ فَأَما إِذا لم يثبت لَهُ كَلَام وَلَا إِرَادَة وَلَا اقْتِضَاء وَلَا طلب وَلَا حب وَلَا بغض قَائِم بِهِ فانه لَا يعقل أصلا كَونه آمُر وَلَا ناهيا وَلَا باعثا للرسل وَلَا محبا للطاعة باغضا للمعصية فأصول هَذِه الطَّائِفَة تعطل الصِّفَات عَن صِفَات كَمَاله فَأَنَّهَا تَسْتَلْزِم أبطال الرسَالَة والنبوة جملَة وَلَكِن رب لَازم لَا يلتزمه صَاحب الْمقَالة ويتناقض فِي القَوْل بملزومه دون القَوْل بِهِ وَلَا ريب أَن فَسَاد اللَّازِم مُسْتَلْزم لفساد الْمَلْزُوم وَلَكِن يُقَال لكم معاشر الجبرية لَا تَكُونُوا مِمَّن يرى القذاة فِي عين أَخِيه وَلَا يرى الْجذع الْمُعْتَرض فِي عينه فقد الزمتكم الْقَدَرِيَّة مَا لَا محيد لكم عَنهُ وَقَالُوا من نفى فعل العَبْد جملَة فقد عطل الشَّرَائِع وَالْأَمر وَالنَّهْي فان الْأَمر وَالنَّهْي لَا يتَعَلَّق إِلَّا بِالْفِعْلِ الْمَأْمُور بِهِ فَهُوَ الَّذِي يُؤمر بِهِ وَينْهى عَنهُ ويثاب عَلَيْهِ ويعاقب فَإِذا نفيتم فعل العَبْد فقد رفعتم مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي وَفِي ذَلِك أبطال الْأَمر وَالنَّهْي فَلَا فرق بَين رفع الْمَأْمُور بِهِ الْمنْهِي عَنهُ وَرفع الْمَأْمُور والمنهي نَفسه فان الْأَمر يسْتَلْزم آمُر أَو مَأْمُورا بِهِ وَلَا يَصح لَهُ حَقِيقَة إِلَّا بِهَذِهِ الثَّلَاث وَمَعْلُوم أَن أَمر الْآمِر بِفعل نَفسه وَنَهْيه عَن نَفسه يبطل التَّكْلِيف جملَة فان التَّكْلِيف لَا يعقل مَعْنَاهُ إِلَّا إِذا كَانَ الْمُكَلف قد كلف بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الْمَقْدُور لَهُ التَّابِع لارادته ومشيئته وَأما إِذا رفعتم ذَلِك من الْبَين وقلتم بل هُوَ مُكَلّف بِفعل الله حَقِيقَة لَا يدْخل تَحت قدرَة العَبْد لَا هُوَ مُتَمَكن فِي الآتيان بِهِ وَلَا هُوَ وَاقع بإرادته ومشيئته فقد نفيتم التَّكْلِيف جملَة من حَيْثُ أثبتوه وَفِي ذَلِك أبطال للشرائع والرسالة جملَة قَالُوا فَلْيتَأَمَّل الْمنصف الفطن لَا البليد المتعصب صِحَة هَذَا الْإِلْزَام فَلَنْ تَجِد عَنهُ محيدا قَالُوا فَأنْتم معاشر الجبرية قدرية من حَيْثُ نفيكم الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ فان كَانَ خصومكم قدرية من حَيْثُ نفوا تعلق الْقُدْرَة الْقَدِيمَة فَأنْتم أولى أَن تَكُونُوا قدرية من حَيْثُ نفيتم فعل العَبْد لَهُ وتأثيره فِيهِ وتعلقه بمشيئته فَأنْتم أثبتم قدرا على الله وَقدرا على العَبْد أما الْقدر على الله فَحَيْثُ زعمتم أَنه تَعَالَى يَأْمر بِفعل نَفسه وَينْهى عَن فعل نَفسه وَمَعْلُوم أَن ذَلِك لَا يَصح أَن يكون مَأْمُورا بِهِ مَنْهِيّا عَنهُ فأثبتم أمرا وَلَا مَأْمُور بِهِ ونهيا وَلَا مَنْهِيّ عَنهُ وَهَذِه قدرية مَحْضَة فِي حق الرب وَأما فِي حق العَبْد فأنكم جعلتموه مَأْمُورا مَنْهِيّا من غير أَن يكون لَهُ فعل يَأْمر بِهِ وَينْهى عَنهُ فَأَي قدرية أبلغ من هَذِه فَمن الَّذِي تضمن قَوْله أبطال الشَّرَائِع وتعطيل الْأَوَامِر فليتنبه اللبيب لمواقعه هَذِه المساجلة وسهام هَذِه المناضلة ثمَّ ليختر مِنْهُمَا إِحْدَى خطتين وَلَا وَالله مَا فيهمَا حَظّ لمختار وَلَا ينجوا من هَذِه الورطات إِلَّا من أثبت كَلَام الله الْقَائِم بِهِ المتضمن لأَمره وَنَهْيه ووعده ووعيده وَأثبت لَهُ مَا أثبت لنَفسِهِ من صِفَات كَمَاله وَمن الْأُمُور الثبوتية الْقَائِمَة ثمَّ أثبت مَعَ ذَلِك فعل العَبْد واختياره ومشيئته

<<  <  ج: ص:  >  >>