للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وارادته الَّتِي هِيَ منَاط الشَّرَائِع ومتعلق الْأَمر وَالنَّهْي فَلَا جبري وَلَا جهمي وَلَا قدري وَكَيف يخْتَار الْعَاقِل آراء ومذاهب هَذِه بعض لوازمها وَلَو صابرها إِلَى آخرهَا لاستبان لَهُ من فَسَادهَا وبطلانها مَا يتعجب مَعَه من قَائِلهَا ومنتحلها وَالله الْمُوفق للصَّوَاب

الْوَجْه الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ قَوْلكُم أَنه مَا من معنى يستنبط من قَول أَو فعل ليربط بِهِ معنى مُنَاسِب لَهُ إِلَّا وَمن حَيْثُ الْعقل يُعَارضهُ معنى آخر يُسَاوِيه فِي الدرجَة أَو يفضل عَلَيْهِ فِي الْمرتبَة فيتحير الْعقل فِي الِاخْتِيَار إِلَى أَن يرد شرع يخْتَار أَحدهمَا أَو يرجحه من تلقائه فَيجب على الْعَاقِل اعْتِبَاره واختياره لترجيح الشَّرْع لَهُ لَا لرجحانه فِي نَفسه فَيُقَال أَن أردتم بِهَذِهِ الْمُعَارضَة أَنَّهَا ثَابِتَة فِي جَمِيع الْأَفْعَال والأقوال الْمُشْتَملَة على الْأَوْصَاف الْمُنَاسبَة الَّتِي ربطت بهَا الْأَحْكَام كَمَا يدل عَلَيْهِ كلامكم فدعوى بَاطِلَة بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ كذب مَحْض وَكَذَلِكَ أَن أردتم أَنَّهَا ثَابِتَة فِي أَكْثَرهَا فَأَي مُعَارضَة فِي الْعقل للوصف الْقَبِيح فِي الْكَذِب والفجور وَالظُّلم واهلاك الْحَرْث والنسل والإساءة إِلَى الْمُحْسِنِينَ وَضرب الْوَالِدين واحتقارهما وَالْمُبَالغَة فِي اهانتهما بِلَا جرم وَأي مُعَارضَة فِي الْعقل للأوصاف القبيحة فِي الشّرك بِاللَّه ومشيئته وكفران نعمه وَأي مُعَارضَة فِي الْعقل للوصف الْقَبِيح فِي نِكَاح الْأُمَّهَات واستفراشهن كاستفراش الْإِمَاء والزوجات إِلَى أَضْعَاف أَضْعَاف مَا ذكرنَا مِمَّا تشهد الْعُقُول بقبحه من غير معَارض فِيهَا بل نَحن لَا ننكر أَن يكون دَاعِي الشَّهْوَة والهوى وداعي الْعقل يتعارضا فان أردتم هَذَا التَّعَارُض فَمُسلم وَلَكِن لَا يجدي عَلَيْكُم إِلَّا عكس مطلوبكم وَكَذَلِكَ أَي مُعَارضَة فِي الْعُقُول للأوصاف الْمُقْتَضِيَة حسن عبَادَة الله وشكره وتعظيمه وتمجيده وَالثنَاء عَلَيْهِ بآلائه وانعامه وصفات جَلَاله ونعوت كَمَاله وأفراده بالمحبة وَالْعِبَادَة والتعظيم وَأي مُعَارضَة فِي الْعُقُول للأوصاف الْمُقْتَضِيَة حسن الصدْق وَالْبر وَالْإِحْسَان وَالْعدْل والإيثار وكشف الكربات وَقَضَاء الْحَاجَات وإغاثة اللهفات وَالْأَخْذ على أَيدي الظَّالِمين وقمع المفسدين وَمنع الْبُغَاة والمعتدين وَحفظ عقول الْعَالمين وَأَمْوَالهمْ وَدِمَائِهِمْ وأعراضهم بِحَسب الْإِمْكَان وَالْأَمر بِمَا يصلحها ويكملها وَالنَّهْي عَمَّا يُفْسِدهَا وينقصها وَهَذِه حَال جملَة الشَّرَائِع وجمهورها إِذا تأملها الْعقل جزم أَنه يَسْتَحِيل على أحكم الْحَاكِمين أَن يشرع خلَافهَا لِعِبَادِهِ وَأما أَن أردتم أَن فِي بعض مَا يدق مِنْهَا مسَائِل تتعارض فِيهَا الْأَوْصَاف المستنبطة فِي الْعُقُول فيتحير الْعقل بَين الْمُنَاسب مِنْهَا وَغير الْمُنَاسب فَهَذَا وان كَانَ وَاقعا فَأَنَّهَا لَا تنفى حسنها الذاتي وقبح منهيها الذاتي وَكَون الْوَصْف خفى الْمُنَاسبَة والتأثير فِي بعض الْمَوَاضِع مِمَّا لَا يَدْفَعهُ وَهَذِه حَال كثير من الْأُمُور الْعَقْلِيَّة الْمَحْضَة بل الحسية وَهَذَا الطّلب مَعَ أَنه حسي تجريبي يدْرك مَنَافِع الأغذية والأدوية وقواها وحرارتها وبرودتها ورطوبتها ويبوستها فِيهِ بالحس وَمَعَ هَذَا فَأنْتم ترَوْنَ اخْتِلَاف أَهله فِي كثير من مسائلهم فِي الشَّيْء الْوَاحِد

<<  <  ج: ص:  >  >>