للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا شَاءَ من مَال وَلَده وَهُوَ كالمباح فِي حَقه وَقد ذكرنَا هَذِه الْمَسْأَلَة مستقصاة بأدلتها وَبينا دلَالَة الْقُرْآن عَلَيْهَا من وُجُوه مُتعَدِّدَة فِي غير هَذَا الْموضع وَهَذَا المأخذ أحسن من قَوْلهم أَن الْأَب لما كَانَ هُوَ السَّبَب فِي أيجاد الْوَلَد فَلَا يكون الْوَلَد سَببا فِي إعدامه وَفِي الْمَسْأَلَة مَسْلَك آخر وَهُوَ مَسْلَك قوي جدا وَهُوَ أَن الله سُبْحَانَهُ جعل فِي قلب الْوَالِد من الشَّفَقَة على وَلَده والحرص على حَيَاته مَا يوازي شفقته على نَفسه وحرصه على حَيَاة نَفسه وَرُبمَا يزِيد على ذَلِك فقد يُؤثر الرجل حَيَاة وَلَده على حَيَاته وَكَثِيرًا مَا يحرم الرجل نَفسه حظوظها ويؤثر بهَا وَلَده وَهَذَا الْقدر مَانع من كَونه يُرِيد إعدامه واهلاكه بل لَا يقْصد فِي الغلب إِلَّا تأديبه وعقوبته على إساءته فَلَا يَقع قَتله فِي الْأَغْلَب عَن قصد وتعمد بل عَن خطأ وَسبق يَد وَإِذا وَقع ذَلِك غَلطا الْحق بِالْقَتْلِ الَّذِي لم يقْصد بِهِ إزهاق النَّفس فأسباب التُّهْمَة والعداوة الحاملة على الْقَتْل لَا تكَاد تُوجد فِي الْآبَاء وان وجدت نَادرا فَالْعِبْرَة بِمَا اطردت عَلَيْهِ عَادَة الخليقة وَهنا للنَّاس طَرِيقَانِ

أَحدهمَا أَنا إِذا تحققنا التُّهْمَة وَقصد الْقَتْل والإزهاق بِأَن يضجعه ويذبحه مثلا أجرينا الْقصاص بَينهمَا لتحَقّق قصد الْجِنَايَة وَانْتِفَاء الْمَانِع من الْقصاص وَهَذَا قَول أهل الْمَدِينَة وَالثَّانِي أَنه لَا يجرى الْقصاص بِحَال وَأَن تحقق قصد الْقَتْل لمَكَان الْجُزْئِيَّة والبعضية الْمَانِعَة من الاقتصاص من بعض الْأَجْزَاء لبَعض وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين وَلَا يرد عَلَيْهِم قتل الْوَلَد لوالده وان كَانَ بعضه لِأَن الْأَب لم يخلق من نُطْفَة الابْن فَلَيْسَ الْأَب بِجُزْء لَهُ حَقِيقَة وَلَا حكما بِخِلَاف الْوَلَد فانه جُزْء حَقِيقَة وَلَيْسَ هَذَا مَوْضُوع استقصاء الْكَلَام على هَذِه الْمسَائِل إِذْ الْمَقْصُود بَيَان اشتمالها على الحكم والمصالح الَّتِي يُدْرِكهَا الْعقل وان لم يسْتَقلّ بهَا فَجَاءَت الشَّرِيعَة بهَا مقررة لما اسْتَقر فِي الْعقل إِدْرَاكه وَلَو من بعض الْوُجُوه وَبعد النُّزُول عَن هَذَا الْمقَام فأقصى مَا فِيهِ أَن يُقَال أَن الشَّرِيعَة جَاءَت بِمَا يعجز الْعقل عَن إِدْرَاكه لَا بِمَا يحيله الْعقل وَنحن لَا ننكر ذَلِك وَلَكِن لَا يلْزم مِنْهُ نفى الحكم والمصالح الَّتِي اشْتَمَلت عَلَيْهَا الْأَفْعَال فِي ذواته وَالله أعلم

الْوَجْه الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ قَوْلكُم وَظهر بِهَذَا أَن الْمعَانِي المستنبطة رَاجِعَة إِلَى مُجَرّد استنباط الْعقل وَوضع الذِّهْن من غير أَن يكون الْفِعْل مُشْتَمِلًا عَلَيْهَا كَلَام فِي غَايَة الْفساد والبطلان لَا يرتضيه أهل الْعلم والأنصاف وتصوره حق التَّصَوُّر كَاف فِي الْجَزْم بِبُطْلَانِهِ من وُجُوه عديدة أَحدهَا أَن الْعقل والفطرة يَشْهَدَانِ بِبُطْلَانِهِ والوجود يكذبهُ فان أَكثر الْمعَانِي المستنبطة من الْأَحْكَام لَيست من أوضاع الأذهان الْمُجَرَّدَة عَن اشْتِمَال الْأَفْعَال عَلَيْهَا ومدعي ذَلِك فِي غَايَة المكابرة الَّتِي لَا تجدي عَلَيْهِ إِلَّا توهين الْمقَالة وَهَذِه الْمعَانِي المستنبطة من الْأَحْكَام مَوْجُودَة مَشْهُودَة يعلم الْعُقَلَاء أَنَّهَا لَيست من أوضاع الذِّهْن بل الذِّهْن أدْركهَا وَعلمهَا وَكَانَ نِسْبَة الذِّهْن إِلَى إِدْرَاكهَا كنسبة الْبَصَر إِلَى إِدْرَاك الألوان وَغَيرهَا وكنسبة

<<  <  ج: ص:  >  >>