الْمُعَارضَة أَو رام طَرِيقا إِلَيّ المناقضة فليبدها فانا من وَرَاء الرِّدَّة عَلَيْهِ وإهداء عُيُوب مقَالَته إِلَيْهِ وَنحن نعلم أَنه لَا يرد علينا مقالتنا إِلَّا بِإِحْدَى المقالتين اللَّتَيْنِ كشفنا عَن عوارهما وَبينا فسادهما فليستر عَورَة مقَالَته وَيصْلح فَسَادهَا ويرم شعثها ثمَّ ليلق خصومه بهَا فالمحاكمة إِلَيّ النَّقْل الصَّرِيح وَالْعقل الصَّحِيح وَالله الْمُسْتَعَان
الْوَجْه الثَّانِي وَالسِّتُّونَ قَوْلكُم الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم بِدُونِ الشَّرْع مُمْتَنع لِأَنَّهُ لَو ثَبت لقامت الْحجَّة بِدُونِ الرُّسُل وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَقَامَ حجَّته برسله إِلَى آخِره فَيُقَال لَا ريب أَن الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم اللَّذين هما مُتَعَلق الثَّوَاب وَالْعِقَاب بِدُونِ الشَّرْع مُمْتَنع كَمَا قررتموه وَالْحجّة إِنَّمَا قَامَت على الْعباد بالرسل وَلَكِن هَذَا الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم بِمَعْنى حُصُول الْمُقْتَضى للثَّواب وَالْعِقَاب وان تخلف عَنهُ مُقْتَضَاهُ لقِيَام مَانع أَو فَوَات شَرط كَمَا تقدم تَقْرِيره وَقد قَالَ تَعَالَى وَلَوْلَا أَن تصيبهم مُصِيبَة بِمَا قدمت أَيْديهم فيقولوا رَبنَا لَوْلَا أرْسلت الينا رَسُولا فنتبع آياتك ونكون من الْمُؤمنِينَ فَأخْبر تَعَالَى أَن مَا قدمت أَيْديهم سَبَب لاصابة الْمُصِيبَة إيَّاهُم وَأَنه سُبْحَانَهُ أرسل رَسُوله وَأنزل كِتَابه لِئَلَّا يَقُولُوا رَبنَا لَوْلَا أرْسلت الينا رَسُولا فنتبع آياتك فدلت الْآيَة على بطلَان قَول الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا الَّذين يَقُولُونَ أَن أَعْمَالهم قبل الْبعْثَة لَيست قبيحة لذاتها بل إِنَّمَا قبحت بِالنَّهْي فَقَط وَالَّذين يَقُولُونَ أَنَّهَا قبيحة ويستحقون عَلَيْهَا الْعقُوبَة عقلا بِدُونِ الْبعْثَة فنظمت الْآيَة بطلَان قَول الطَّائِفَتَيْنِ ودلت على القَوْل الْوسط الَّذِي اخترناه ونصرناه أَنَّهَا قبيحة فِي نَفسهَا وَلَا يسْتَحقُّونَ الْعقَاب إِلَّا بعد إِقَامَة الْحجَّة بالرسالة فَلَا تلازم بَين ثُبُوت الْحسن والقبح العقليين وَبَين اسْتِحْقَاق الثَّوَاب وَالْعِقَاب فالأدلة إِنَّمَا اقْتَضَت ارتباط الثَّوَاب وَالْعِقَاب بالرسالة وتوقفهما عَلَيْهَا وَلم تقتض توقف الْحسن والقبح بِكُل اعْتِبَار عَلَيْهَا وَفرق بَين الْأَمريْنِ
الْوَجْه الثَّالِث وَالسِّتُّونَ قَوْلكُم كَيفَ يعلم أَنه سُبْحَانَهُ يجب عَلَيْهِ أَن يمدح ويذم وَيثبت ويعاقب على الْفِعْل بِمُجَرَّد الْعقل وَهل ذَلِك إِلَّا غيب عَنَّا فِيمَا يعرف أَنه رضى عَن فَاعل وَسخط على فَاعل وَأَنه يثيب هَذَا ويعاقب هَذَا وَلم يخبر عَنهُ بذلك مخبر صَادِق ولادل على مواقع رِضَاهُ وَسخطه عقل وَلَا أخبر عَن معلومه ومحكومه مُخَيّر فَلم يبْق إِلَّا قِيَاس أَفعاله على أَفعَال عباده وَهُوَ من أفسد الْقيَاس فانه لَيْسَ كمثله شَيْء فَيُقَال هَذَا لَازم للمعتزلة وَمن وافقهم حَيْثُ يوجبون على الله ويحرمون بِالْقِيَاسِ على عباده وَلَا ريب أَن هَذَا من أفسد الْقيَاس وأبطله وَلَكِن من أَيْن ينفى ذَلِك إِثْبَات صِفَات أَفعَال اقْتَضَت حسنها وقبحها عقلا وَلم يعلم ترَتّب الثَّوَاب وَالْعِقَاب عَلَيْهَا إِلَّا بالرسالة كَمَا نصرناه فَأنْتم معاشر النفاة سلبتم الْأَفْعَال خواصها وصفاتها الَّتِي لَا تنفك عَنْهَا وَلَا تغفل مُجَرّدَة عَنْهَا أبدا وظننتم أَن قَول الْمُعْتَزلَة الْبَاطِل فِي ايجابها وتحريمها على الله لَا يتم إِلَّا بِهَذَا النَّفْي فأخطاتم فِي الْأَمريْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute