للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعًا فان بطلَان قَوْلهم لَا يتَوَقَّف على نفي الْحسن والقبح ونفيهما بَاطِل وخصومكم من الْمُعْتَزلَة أثبتوا لله شَرِيعَة عقلية أوجبوا عَلَيْهِ فِيهَا وحرموا بِمُقْتَضى عُقُولهمْ وظنوا أَنهم لَا يُمكنهُم إِثْبَات الْحسن والقبح إِلَّا بذلك فأخطئوا فِي الْأَمريْنِ مَعًا فان الله تَعَالَى كَمَا لَا يُقَاس بعباده فِي أَفعاله لَا يُقَاس بهم فِي ذَاته وَصِفَاته فَلَيْسَ كمثله شَيْء فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي أَفعاله واثبات الْحسن والقبح لَا يسْتَلْزم هَذَا الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم العقليين فَلْيتَأَمَّل اللبيب هَذِه الدقائق الَّتِي هِيَ مجامع مآخذ الْفرق فِيهَا يتَبَيَّن أَن النَّاس إِنَّمَا تكلمُوا فِي حَوَاشِي الْمَسْأَلَة وَلم يخوضوا لجتها ويقتحموا غمرتها وَالله الْمُسْتَعَان وَأما إلزامكم لخصومكم من الْمُعْتَزلَة تِلْكَ اللوازم فَلَا ريب أَنَّهَا مستلزمة لبُطْلَان قَوْلهم مَعَ أضعافها من اللوازم الَّتِي تبين فَسَاد مَذْهَبهم وَنحن مساعدوكم عَلَيْهَا كَمَا لَا محيد لَهُم عَن الزاماتكم فَمِنْهَا أَنكُمْ سددتم على أَنفسكُم طَرِيق الِاسْتِدْلَال بالمعجزة على النُّبُوَّة حَيْثُ جوزتم على الله أَن يُؤَيّد الْكذَّاب كَمَا يُؤَيّد الصَّادِق وعندكم أَن كلا الآمرين بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى سَوَاء وَلم تعتذروا عَن هَذَا الْإِلْزَام الْمُقَابل لسَائِر الزاماتكم بِعُذْر صَحِيح وَهَذِه أعذاركم مسطورة فِي الصحائف وَمِنْهَا الزِّمَام الأفحام وَنفى الْمُكَلف النّظر فِي المعجزة لعدم الْوُجُوب عقلا واعتذاركم عَن هَذَا الزام بِأَن الْوُجُوب ثَابت نظر أَو لم ينظر اعتذار يبطل أصلكم فان ثُبُوت الْوُجُود بِدُونِ نظر الْمُكَلف لَو كَانَ شَرْعِيًّا لتوقف على الشَّرْع المتوقف فِي حق الْمُكَلف على النّظر فِي المعجزة فَلَمَّا ثَبت الْوُجُوب وان لم ينظر فِي المعجزة علم أَن الْوُجُوب عَقْلِي لَا يتَوَقَّف على ثُبُوت الشَّرْع فان قيل هُوَ ثَابت فِي نفس الْأَمر على تَقْدِير ثُبُوت الرسَالَة قيل فَحِينَئِذٍ يعود الْإِلْزَام وَهُوَ أَنه لَا ينظر حَتَّى يجب وَلَا يجب حَتَّى تثبت الرسَالَة وَلَا تثبت حَتَّى ينظر وَلِهَذَا عدل من عدل لي مُقَابلَة هَذَا الْإِلْزَام بِمثلِهِ وَقَالُوا هَذَا لَازم للمعتزلة لِأَن الْوُجُوب عِنْدهم نَظَرِي وَهَذَا لَا يُغني شَيْئا وَلَا يدْفع الْإِلْزَام الْمَذْكُور بل غَايَته مُقَابلَة الْفَاسِد بِمثلِهِ وَهُوَ لَا يجدي فِي دفع الْإِلْزَام شَيْئا وَهَذَا يدل على بطلَان المقالتين وَأما نَحن فلنا فِي دفع هَذَا الْإِلْزَام عشرَة مسالك وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع هَذِه الْمَسْأَلَة وانما الْمَقْصُود أَن الْمُعْتَزلَة ألزمت نَظِير مَا ألزموهم بِهِ وَمِنْهَا إِلْزَام التعطيل للشرائع جملَة وَقد تقدم بَيَانه قَرِيبا حَيْثُ بَينا أَن مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي إِنَّمَا هُوَ فعل العَبْد الِاخْتِيَارِيّ فَإِذا بَطل أَن يكون لَهُ فعل اخْتِيَاري بَطل مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي فَلَزِمَهُ بطلَان الْأَمر وَالنَّهْي لِأَن وجوده بِدُونِ مُتَعَلّقه محَال إِلَى سَائِر تِلْكَ اللوازم الَّتِي أسلفناها قبل فَلَا نطيل بإعادتها قَالُوا أما نَحن فَلَا يلْزمنَا شَيْء من هَذِه اللوازم من الطَّرفَيْنِ فانا لم نسلك وَاحِدًا من الطَّرِيقَيْنِ فَلَا سَبِيل لأحدى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَيّ إلزامنا بِلَازِم وَاحِد بَاطِل وَللَّه الْحَمد فَمن رام ذَلِك فليبده

فان قيل فَمن أصلكم إِثْبَات التَّعْلِيل وَالْحكمَة فِي الْخلق وَالْأَمر فَمَا تَصْنَعُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>