للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَذِهِ اللوازم الَّتِي ألزمناها الْمُعْتَزلَة وماذا جوابكم عَنْهَا إِذا وجهناها إِلَيْكُم قيل لَا ريب أَنا نثبت لله مَا أثْبته لنَفسِهِ وَشهِدت بِهِ الْفطر والعقول من الْحِكْمَة فِي خلقه وَأمره ونقول أَن كل مَا خلقه وَأمر بِهِ خلقه فِيهِ حِكْمَة بَالِغَة وآيات باهرة لأَجلهَا خلقه وَأمر بِهِ وَلَكِن لَا نقُول أَن لله تَعَالَى فِي خلقو وَأمره كُله حِكْمَة مماثلة لما للمخلوق من ذَلِك وَلَا مشابهة لَهُ بل الْفرق بَين الحكمتين كالفرق ين الْفِعْلَيْنِ وكالفرق بَين الوصفين والذاتين فَلَيْسَ كمثله شَيْء فِي وَصفه وَلَا فِي فعله وَلَا فِي حِكْمَة مَطْلُوبَة لَهُ من فعله بل الْفرق بَين الْخَالِق والمخلوق فِي ذَلِك كُله أعظم فرق وأبينه وأوضحه عِنْد الْعُقُول وَالْفطر وعَلى هَذَا فَجَمِيع مَا ألزمتموه لأَصْحَاب الصّلاح والأصلح بل وأضعافه وأضعاف أضعافه لله فِيهِ حِكْمَة يخْتَص بهَا لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره ولأجلها حسن مِنْهُ ذَلِك وقبح من الْمَخْلُوق لانْتِفَاء تِلْكَ الْحِكْمَة فِي حَقه وَهَذَا كَمَا يحسن مِنْهُ تَعَالَى مدح نَفسه وَالثنَاء على نَفسه وان قبح من أَكثر خلقه ذَلِك ويليق بجلاله الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة ويقبح من خلقه تعاطيهما كَمَا روى عَنهُ رَسُول الله الْكِبْرِيَاء ازاري وَالْعَظَمَة رِدَائي فَمن نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذبته وكما يحسن مِنْهُ إماتة خلقه وابتلاؤهم وامتحانهم بأنواع المحن ويقبح ذَلِك من خلقه وَهَذَا أعظم من أَن نذْكر أمثلته فَلَيْسَ بَين الله وَبَين خلقه جَامع يُوجب أَن يحسن مِنْهُ مَا حسن مِنْهُم ويقبح مِنْهُ مَا قبح مِنْهُم وانما تتَوَجَّه تِلْكَ الالزامات إِلَى من قَاس أَفعَال الله بِأَفْعَال عباده وَأما من أثبت لَهُ حِكْمَة تخْتَص بِهِ لَا تشبه مَا للمخلوقين من الْحِكْمَة فَهُوَ عَن تِلْكَ الالزامات بمعزل ومنزله مِنْهَا أبعد منزل ونكتة الْفرق أَن بطلَان الصّلاح والأصلح لَا يسْتَلْزم بطلَان الْحِكْمَة وَالتَّعْلِيل وَالله الْمُوفق الْوَجْه الثَّالِث وَالسِّتُّونَ قَوْلكُم أَنْتُم فتحتم بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة طَرِيقا للاستغناء عَن النبوات وسلطتم عَلَيْكُم بهَا الفلاسفة والبراهمة والصابئة وكل مُنكر للنبوات فان هَذِه الْمَسْأَلَة بَاب بَيْننَا وَبينهمْ فأنكم إِذا زعمتم أَن فِي الْعقل حَاكما يحسن ويقبح وَيُوجب وَيحرم ويتقاضى الثَّوَاب وَالْعِقَاب لم تكن الْحَاجة إِلَيّ الْبعْثَة ضَرُورِيَّة لامكان الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا فَهَذَا الْحَاكِم إِلَى آخِره قَالَ المثبتون هَذَا كَلَام هائل وَهُوَ عِنْد التَّحْقِيق بَاطِل لَو أنصف مورده لعلم انا وَهُوَ كَمَا قَالَ الأول رمتني بدائها وانسلت وَقد بَينا أَن النفاة سدوا على أنفسهم طَرِيق إِثْبَات النُّبُوَّة بإنكارهم هَذِه الْمَسْأَلَة وَقَالُوا انه يحسن من الله كل شَيْء حَتَّى إِظْهَار المعجزة على يَد الْكَاذِب وَلَا فرق بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَين إظهارها على يَد الصَّادِق وَيَد الْكَاذِب وَلَيْسَ فِي الْعقل مَا يدل على اسْتِحَالَة هَذَا وَجَوَاز هَذَا وَتوقف مَعْرفَته على السّمع لَا سِيمَا إِذا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك إِنْكَار كَون العَبْد فَاعِلا مُخْتَارًا الْبَتَّةَ فان ذَلِك يسد الْبَاب جملَة لِأَن مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي إِنَّمَا هُوَ أَفعَال الْعباد الاختيارية فَمن لَا فعل لَهُ وَلَا اخْتِيَار أصلا فَكيف يعقل أَن يكون مَأْمُورا مَنْهِيّا وَقد تقدم حَدِيث الافحام وعجزكم

<<  <  ج: ص:  >  >>