للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَن الْجَواب عَنهُ قَالُوا وَأما نَحن فانا سهلنا بذلك الطَّرِيق إِلَيّ إِثْبَات النبوات بل لَا يُمكن إِثْبَاتهَا إِلَّا بالاعتراف بِهَذِهِ المسالة فانه إِذا ثَبت أَن من الْأَفْعَال حسنا وَمِنْهَا قبيحا وَأَن إِظْهَار المعجزة على يَد الْكَاذِب قَبِيح وَأَن الله يتعالى ويتقدس عَن فعل القبائح علمنَا بذلك صِحَة نبوة من اظهر الله على يَدَيْهِ الْآيَات والمعجزات وَأما أَنْتُم فأنكم لَا يمكنكم الْعلم بذلك قَالُوا وَكَذَلِكَ نَحن قُلْنَا أَن العَبْد فَاعل مُخْتَار لفعله وأوامر الشَّرْع ونواهيه متوجهة إِلَيّ مُجَرّد فعله الِاخْتِيَارِيّ الْقَائِم بِهِ وَهُوَ مُتَعَلق الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَأما أَنْتُم فَلَا يمكنكم ذَلِك لِأَن تِلْكَ الْأَفْعَال عنْدكُمْ هِيَ فعل الله فِي العَبْد لاصنع للْعَبد فِيهَا أصلا فَكيف يتَوَجَّه أَمر الشَّرْع وَنَهْيه إِلَيّ غير فَاعل بل يُؤمر وَينْهى بِمَا لَا قدرَة لَهُ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ بل بِفعل غَيره قَالُوا فليتدبر الْمنصف هَذَا الْمقَام فانه يتَبَيَّن لَهُ أَنه سد على نَفسه طَرِيق النبوات وَفتح بَاب الِاسْتِغْنَاء عَنْهَا قَالُوا وَأَيْضًا فان الله سُبْحَانَهُ فطر عباده على الْفرق بَين الْحسن والقبيح وَركب فِي عُقُولهمْ إِدْرَاك ذَلِك والتمييز بَين النَّوْعَيْنِ كَمَا فطرهم على الْفرق بَين النافع والضار والملائم لَهُم والمنافر وَركب فِي حواسهم إِدْرَاك ذَلِك والتمييز بَين أَنْوَاعه والفطرة الأولى هِيَ خَاصَّة الْإِنْسَان الَّتِي تميز بهَا عَن غَيره من الْحَيَوَانَات وَأما الْفطْرَة الثَّانِيَة فمشتركة بَين أَصْنَاف الْحَيَوَان وَحجَّة الله عَلَيْهِ إِنَّمَا تقوم بِوَاسِطَة الْفطْرَة الأولى وَلِهَذَا اخْتصَّ من بَين سَائِر الْحَيَوَانَات بإرسال الرُّسُل إِلَيْهِ وبالأمر وَالنَّهْي وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب فَجعل سُبْحَانَهُ فِي عقله مَا يفرق بَين الْحسن والقبح وَمَا يَنْبَغِي إيثاره وَمَا يَنْبَغِي اجتنابه ثمَّ أَقَامَ عَلَيْهِ حجَّته برسالته بِوَاسِطَة هَذَا الْحَاكِم الَّذِي يتَمَكَّن بِهِ من الْعلم بالرسالة وَحسن الْإِرْسَال وَحسن مَا تضمنه من الْأُمُور وقبح مَا نهى عَنهُ فانه لَوْلَا مَا ركب فِي عقله من إِدْرَاك ذَلِك لما أمكنه معرفَة حسن الرسَالَة وَحسن الْمَأْمُور وقبح الْمَحْظُور وَلِهَذَا قُلْنَا أَن من أنكر الْحسن والقبح العقليين لزمَه إِنْكَار الْحسن والقبح للشريعة وان زعم أَنه مقربه فان أَخْبَار الشَّرْع عَن الْعقل بِأَنَّهُ حسن أَو قَبِيح مُطَابق لكَونه فِي نَفسه كَذَلِك فَإِذا كَانَ فِي نَفسه لَيْسَ بِحسن وَلَا قَبِيح فان هَذَا الْخَبَر لَا مخبر لَهُ إِلَّا مُجَرّد تعلق افْعَل أَو لَا تفعل بِهِ وَهَذَا التَّعْلِيق عنْدكُمْ جَائِز أَن يكون بِخِلَاف مَا هُوَ بِهِ وان يتَعَلَّق الطّلب بالمنهي عَنهُ وَالنَّهْي بالمأمور بِهِ والتعلق لم يَجعله حسنا وَلَا قبيحا بل غَايَته أَن جعل الْفِعْل مَأْمُورا مَنْهِيّا فَعَاد الْحسن والقبح إِلَيّ مُجَرّد كَونه مَأْمُورا مَنْهِيّا وَلَا فرق عنْدكُمْ بِالنّظرِ إِلَيّ ذَات الْفِعْل بَين النَّوْعَيْنِ بل مَا كَانَ مَأْمُورا يجوز أَن يَقع مَنْهِيّا وَبِالْعَكْسِ فَلم يكْشف الْأَمر وَالنَّهْي صفة حسن وَلَا قبح أصلا فَلَا حسن وَلَا قبح إِذا عقلا وَلَا شرعا وانما هُوَ تعلق الطّلب بِالْفِعْلِ وَالتّرْك وَهَذَا مِمَّا لاخلاص مِنْهُ إِلَّا بالْقَوْل بِأَن للأفعال خَواص وصفات عَلَيْهَا فِي أَنْفسهَا اقْتَضَت أَن يُؤمر بحسنها وَينْهى عَن سيئها ويخبر عَن حسنها بِمَا هُوَ عَلَيْهِ ويخبر غَيره بقبحها مِمَّا نَكُون عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>