فَيكون للْخَبَر مخبر ثَابت فِي نَفسه وَالْأَمر وَالنَّهْي مُتَعَلق ثَابت فِي نَفسه قَالُوا فَعلمه من الْعقل محسن الْحسن وقبح الْقَبِيح ثمَّ علمه بِأَن مَا أمرت بِهِ الرُّسُل هُوَ الْحسن وَمَا نهت عَنهُ هُوَ الْقَبِيح طَرِيق إِلَيّ تَصْدِيق الرُّسُل وَأَنَّهُمْ جاؤا بِالْحَقِّ من عِنْد الله وَلِهَذَا قَالَ بعض الْأَعْرَاب وَقد سُئِلَ بِمَاذَا عرفت أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ مَا أَمر بِشَيْء فَقَالَ الْعقل ليته نهى عَنهُ وَلَا نهى عَن شَيْء فَقَالَ الْعقل ليته أَمر بِهِ أَفلا ترى هَذَا الْأَعرَابِي كَيفَ جعل مُطَابقَة الْحسن والقبح الَّذِي ركب الله فِي الْعقل ادراكه لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول شَاهدا على صِحَة رسَالَته وعلما عَلَيْهَا وَلم يقل أَن ذَلِك يقبح طَرِيق الِاسْتِغْنَاء عَن النُّبُوَّة بحاكم الْعقل قَالُوا أَيْضا فَهَذَا إِنَّمَا يلْزم أَن لَو قيل بِأَن مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل ثَابت فِي الْعقل إِدْرَاكه مفصلا قبل الْبعْثَة فَحِينَئِذٍ يُقَال هَذَا يفتح بَاب الِاسْتِغْنَاء عَن الرسَالَة وَمَعْلُوم أَن إِثْبَات الْحسن والقبح العقليين لَا يسْتَلْزم هَذَا وَلَا يدل عَلَيْهِ بل غَايَة الْعقل أَن يدْرك بالإجمال حسن مَا أَتَى الشَّرْع بتفضيله أَو قبحه فيدركه الْعقل جملَة وَيَأْتِي الشَّرْع بتفصيله وَهَذَا كَمَا أَن الْعقل يدْرك حسن الْعدْل وَأما كَون هَذَا الْفِعْل الْمعِين عدلا أَو ظلما فَهَذَا مِمَّا يعجز الْعقل عَن إِدْرَاكه فِي كل فعل وَعقد وَكَذَلِكَ يعجز عَن إِدْرَاك حسن كل فعل وقبح وان تَأتي الشَّرَائِع بتفصيل ذَلِك وتبينه وَمَا أدْركهُ الْعقل الصَّرِيح من ذَلِك أَتَت الشَّرَائِع بتقريره وَمَا كَانَ حسنا فِي وَقت قبيحا فِي وَقت وَلم يهتد الْعقل لوقت حسنه من وَقت قبحه أَتَت الشَّرَائِع بِالْأَمر بِهِ فِي وَقت حسنه وبالنهي عَنهُ فِي وَقت قبحه وَكَذَلِكَ الْفِعْل يكون مُشْتَمِلًا على مصلحَة ومفسدة وَلَا تعلم الْعُقُول مفسدته أرجح أم مصْلحَته فَيتَوَقَّف الْعقل فِي ذَلِك فتأتي الشَّرَائِع بِبَيَان ذَلِك وتأمر براجح الْمصلحَة وتنهى عَن رَاجِح الْمفْسدَة وَكَذَلِكَ الْفِعْل يكون مصلحَة لشخص مفْسدَة لغيره وَالْعقل لَا يدْرك ذَلِك فتأتي الشَّرَائِع ببيانه فتأمر بِهِ من هُوَ مصلحَة لَهُ وتنهى عَنهُ من حَيْثُ هُوَ مفْسدَة فِي حَقه وَكَذَلِكَ الْفِعْل يكون مفْسدَة فِي الظَّاهِر وَفِي ضمنه مصلحَة عَظِيمَة لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعقل فَلَا يعلم إِلَّا بِالشَّرْعِ كالجهاد وَالْقَتْل فِي الله وَيكون فِي الظَّاهِر مصلحَة وَفِي ضمنه مفْسدَة عَظِيمَة لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْعقل فتجيء الشَّرَائِع بِبَيَان مَا فِي ضمنه من الْمصلحَة والمفسدة الراجحة هَذَا مَعَ أَن مَا يعجز الْعقل عَن إِدْرَاكه من حسن الْأَفْعَال وقبحها لَيْسَ بِدُونِ مَا تُدْرِكهُ من ذَلِك فالحاجة إِلَيّ الرُّسُل ضَرُورِيَّة بل هِيَ فَوق كل حَاجَة فَلَيْسَ الْعَالم إِلَيّ شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَيّ الْمُرْسلين صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَلِهَذَا يذكر سُبْحَانَهُ عباده نعمه عَلَيْهِم بِرَسُولِهِ ويعد ذَلِك عَلَيْهِم من أعظم المنن مِنْهُ لشدَّة حَاجتهم إِلَيْهِ ولتوقف مصالحهم الْجُزْئِيَّة والكلية عَلَيْهِ وَأَنه لاسعادة لَهُم وَلَا فلاح وَلَا قيام إِلَّا بالرسل فَإِذا كَانَ الْعقل قد أدْرك حسن بعض الْأَفْعَال وقبحها فَمن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute