للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلذَلِك يجب عِنْده أَن يُؤْخَذ الْعدَد أبدا من الشَّمْس إِلَى الْقَمَر لتبقى تِلْكَ النِّسْبَة وَهِي الْبعد بَين كل وَاحِد من النيرين طالعه مَحْفُوظ فَهَذَا قَول آخر غير قَول أُولَئِكَ وللفرس مَذْهَب آخر وَهُوَ أَنهم قَالُوا لما كَانَت الشَّمْس لَهَا نوبَة النَّهَار وَالْقَمَر لَهُ نوبَة اللَّيْل وَكَانَ سهم السَّعَادَة بِالنَّهَارِ يُؤْخَذ من الشَّمْس إِلَى الْقَمَر وَجب أَن يعكس ذَلِك بِاللَّيْلِ لِأَن نِسْبَة النَّهَار إِلَى الشَّمْس مثل نِسْبَة اللَّيْل إِلَى الْقَمَر وكل وَاحِد من النيرين يَنُوب وَاحِدًا من الزمانين فَيَأْخُذُونَ مِنْهُم السَّعَادَة بِاللَّيْلِ من الْقَمَر إِلَى الشَّمْس وبالنهار بِالْعَكْسِ وَزَعَمُوا أَن كَلَام بطليموس إِنَّمَا يدل على هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ وان أَخذنَا من الشَّمْس إِلَى الْقَمَر إِلَى خلاف تأليف البروج وألقيناه بِالْعَكْسِ كَانَ مُوَافقا للْأولِ فَقَالُوا يجب أَن يعكس الْأَمر بِاللَّيْلِ فَهَذَا اخْتِلَاف المنجمين على بطليموس ينْقض بعضه بَعْضًا وَلَيْسَ بأيدي الطَّائِفَة برهَان يرجحون بِهِ قولا على قَول أَن يتبعُون إِلَّا الظَّن وان الظَّن لَا يغنى من الْحق شَيْئا فَأَعْرض عَن من تولى عَن ذكرنَا وَلم يرد إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا ذَلِك مبلغهم من الْعلم أَن رَبك هُوَ أعلم بِمن ضل عَن سَبيله وَهُوَ أعلم بِمن اهْتَدَى قَالَ وَاخْتلفُوا فرتبت طَائِفَة مِنْهُم البروج الْمَذْكُورَة والمؤنثة من البرج الطالع فعدوا وَاحِدًا مذكرا وَآخر مؤنثا وصيروا الِابْتِدَاء بالمذكر وَقسمت طَائِفَة أُخْرَى البروج أَرْبَعَة أَجزَاء وَجعلُوا البروج المذكرة هِيَ الَّتِي من الطالع إِلَى وسط السَّمَاء وَالَّتِي يقابلها من الغرب إِلَى وتد الأَرْض وَجعلُوا الربعين الباقيين مؤنثين قلت وَمن هذيانهم فِي هَذَا الَّذِي أضحكوا بِهِ عَلَيْهِم الْعُقَلَاء أَنهم جعلُوا البروج قسمَيْنِ حَار المزاج وبارد المزاج وَجعلُوا الْحَار مِنْهَا ذكرا والبارد أُنْثَى وابتدؤا بِالْحملِ وصيروه ذكرا حارا ثمَّ الَّذِي بعده مؤنثا بَارِدًا ثمَّ هَكَذَا إِلَى آخرهَا فَصَارَت سِتَّة ذُكُورا وَسِتَّة أناثا وَلَيْسَت على الْأَوَائِل وَاحِد ذكر وَثَلَاثَة أخر أُنْثَى مُخَالف لَهُ فِي الطبيعة والذكورية والأنوثية مَعَ أَن قسْمَة الْفلك إِلَى البروج قسْمَة فَرضِيَّة وضعية فَهَل فِي أَنْوَاع هذيان الهاذين أعجب من هَذَا وَلما رأى من بِهِ رَمق من عقل مِنْهُم تهافت هَذَا الْكَلَام وسخرية الْعُقَلَاء مِنْهُ رام تقريبه بغاية جهده وحذقه فَقَالَ إِنَّمَا ابْتَدَأَ بِالذكر دون الْأُنْثَى لِأَن الذّكر أشرف من الْأُنْثَى لِأَنَّهُ فَاعل وَالْأُنْثَى منفعلة فاعجبوا يَا معشر الْعُقَلَاء واسألوا الله أَن لَا يخسف بعقولكم كَمَا خسف بعقول هَؤُلَاءِ لهَذَا الهذيان افترى فِي البروج ناكحا ومنكوحا يكون المنكوح مِنْهَا منفعلا لناكحه بالذكورية والأنوثية تَابِعَة لهَذَا الْفِعْل والانفعال فِيهَا قَالَ وَأَيْضًا فالذكورية بِسَبَب الِانْفِرَاد وازواج فِيهَا فان الْأَفْرَاد ذُكُور والأزواج إناث وَهَذَا أعجب من الأول أَن الذّكر يَنْضَم إِلَى الذّكر فَيصير المضموم إِلَيْهِ أُنْثَى فتبا للمصغي إِلَيْكُم والمجوز عقله صدقكُم واصابتكم وَأما أَنْتُم فقد أشهد الله سُبْحَانَهُ عقلاء عباده وأنبأهم مِقْدَار عقولكم وسخافتها فَللَّه الْحَمد والْمنَّة قَالَ هَذَا الْمُنْتَصر لَهُم وانما جعلُوا الْأَفْرَاد لذكور والأزواج للْأُنْثَى لِأَن الْفَرد

<<  <  ج: ص:  >  >>