للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانما تخْتَلف دلالتها على السُّعُود والنحوس وان لم تكن فِي أَنْفسهَا مُخْتَلفَة وَاخْتلفُوا فَقَالَ قوم أَنَّهَا تُؤثر فِي الْأَبدَان والأنفس جَمِيعًا وَقَالَ الْبَاقُونَ بل فِي الْأَبدَان دون الْأَنْفس قلت أَكثر المنجمين على القَوْل بِأَنَّهَا تسعد وتنحس غَيرهَا وَأما الْفرْقَة الَّتِي قَالَت هِيَ دَالَّة على السعد والنحس فَقَوْلهم وان كَانَ أقرب إِلَى التَّوْحِيد من قَول الْأَكْثَرين مِنْهُم فَهُوَ أَيْضا قَول مُضْطَرب متناقض فان الدّلَالَة الحسية لَا تخْتَلف وَلَا تتناقض وَهَذَا قَول من يَقُول مِنْهُم أَن الْفلك طبيعة مُخَالفَة لطبيعة الاستقصاب الكائنة الْفَاسِدَة وَأَنَّهَا لَا حارة وَلَا بَارِدَة وَلَا يابسة وَلَا رطبَة وَلَا سعد وَلَا نحس فِيهَا وانما يدل بعض أجرامها وَبَعض أَجْزَائِهَا على الْخَيْر وَبَعضهَا على الشَّرّ وارتباط الْخَيْر وَالشَّر والسعد والنحس بهَا ارتباط المدلولات بأدلتها لَا ارتباط المعلومات بعللها وَلَا ريب أَن قَائِل هَذَا أَعقل وَأقرب من أَصْحَاب القَوْل بالاقتضاء الطبيعي والعلية وَأما القَوْل بتأثيرها فِي الْأَبدَان والأنفس فَهُوَ قَول بطليموس وشيعته وَأكْثر الْأَوَائِل من المنجمين وَهَؤُلَاء لَهُم قَولَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا تفعل فِي الْأَنْفس بِالذَّاتِ وَفِي الْأَبدَان بِالْعرضِ لِأَن الْأَبدَان تنفعل عَن الْأَنْفس وَالثَّانِي أَنَّهَا هِيَ سَبَب جَمِيع مَا فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد وفعلها فِي ذَلِك كُله بِالذَّاتِ وَكَأَنَّهُ لاخلاف بَين الطَّائِفَتَيْنِ فان الَّذين قَالُوا فعلهَا فِي النُّفُوس لَا يضيفون انفعال الْأَبدَان إِلَى غَيرهَا بذاتها بل بوسائط قَالَ وَاخْتلف رؤساؤهم بطليموس ودورسوس وانطيقوس وريمسس وَغَيرهم من عُلَمَاء الرّوم والهند وبابل فِي الْحُدُود وَغَيرهَا وتضادوا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يَأْخُذُونَ مِنْهَا دليلهم فبعضهم يغلب رب بَيت الطالع وَبَعْضهمْ يَقُول بِالدَّلِيلِ المستولى على الحظوظ وَاخْتلفُوا فَزعم بطليموس أَنهم يعلم مِنْهُم السَّعَادَة بِأَن يَأْخُذ أبدا الْعدَد الَّذِي يحصل من مَوضِع الشَّمْس إِلَى مَوضِع الْقَمَر ويبتدئ من الطالع فيرصد مِنْهُ مثل ذَلِك الْعدَد وَيَأْخُذ إِلَى الْجِهَة الَّتِي تتلو من البروج فَيكون قد عرف مَوضِع السهْم وَزعم غَيره أَنه يعد من الشَّمْس ثمَّ يَبْتَدِئ من الطالع فيعد مثل ذَلِك إِلَى الْجِهَة الْمُتَقَدّمَة من البروج قلت وَزعم آخَرُونَ أَن بطليموس يرى أَن جَمِيع مَا يكون وَيفْسد إِنَّمَا يعرف دَلِيله من مَوضِع التقاء النيرين إِمَّا الِاجْتِمَاع واما الامتلاء لِأَن هذَيْن الكوكبين عِنْده مثل الرئيسين العظيمين أَحدهمَا يأتمر لصَاحبه وَهُوَ الْقَمَر وهما سَببا جَمِيع مَا يحدث فِي عَالم الْكَوْن وَالْفساد وَأَن الْكَوَاكِب الْجَارِيَة والثابتة مِنْهُمَا بِمَنْزِلَة الْجند والعسكر من السُّلْطَان فَإِذا اراد النّظر فِي أَمر من الْأُمُور فان كَانَ بعد الِاجْتِمَاع أَو عِنْده فانه يَأْخُذ الدَّلِيل عَلَيْهِ من الْكَوْكَب المستولى على جُزْء الِاجْتِمَاع وجزئي الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الْحَال وشاركه مَعَ الشَّمْس بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطالع وَإِذا كَانَ بعد الامتلاء أَو عِنْده فانه ينظر أَي النيرين كَانَ فَوق الأَرْض عِنْد الامتلاء وَينظر إِلَى الْكَوْكَب المستولى على ذَلِك الْجُزْء وجزء النير الَّذِي كَانَ بعد الشَّمْس من الطالع كبعد الْقَمَر من سهم السَّعَادَة

<<  <  ج: ص:  >  >>