مقنع وَهَذِه هِيَ الطّرق الَّتِي تثبت بهَا الموجودات وَتعلم بهَا حقائق الْأَشْيَاء لَا طَرِيق هَاهُنَا غَيرهَا وَلَا شَيْء لأحكام النُّجُوم مِنْهَا وانا ابتدئ الْآن بِوَصْف جملَة من اخْتلَافهمْ فِي الْأُصُول الَّتِي يبنون عَلَيْهَا أَمرهم ويفرعون عَنْهَا أحكامهم وأذكر المستبشع من أقاويلهم وقضاياهم وَظَاهر مناقضاتهم ثمَّ آتى بِطرف من احتجاجهم والاحتجاج عَلَيْهِم وَالله والموفق للصَّوَاب بفضله
ذكر اخْتلَافهمْ فِي الْأُصُول زَعَمُوا جَمِيعًا أَن الْخَيْر وَالشَّر والاعطاء وَالْمَنْع وَمَا أشبه ذَلِك يكون فِي الْعَالم بالكواكب وبحسب السُّعُود مِنْهَا والنحوس وعَلى حسب كَونهَا من البروج الْمُوَافقَة والمنافرة لَهَا وعَلى حسب نظر بَعْضهَا إِلَى بعض من التسديس والتربيع والتثليث والمقابلة وعَلى حسب محاسدة بَعْضهَا بَعْضًا وعَلى حسب كَونهَا فِي شرفها وهبوطها ووبالها ثمَّ اخْتلفُوا على أَي وَجه يكون ذَلِك فَزعم قوم مِنْهُم أَن فعلهَا بطبائعها وَزعم آخَرُونَ أَن ذَلِك لَيْسَ فعلا لَهَا لَكِنَّهَا تدل عَلَيْهِ بطبائعها قلت وَزعم آخَرُونَ أَنَّهَا تفعل فِي الْبَعْض بِالْعرضِ وَفِي الْبَعْض بِالذَّاتِ قَالَ وَزعم آخَرُونَ أَنَّهَا تفعل بِالِاخْتِيَارِ لَا بالطبع أَلا أَن السعد مِنْهَا لَا يخْتَار إِلَّا الْخَيْر والنحس مِنْهَا لَا يخْتَار إِلَّا الشَّرّ وَهَذَا بِعَيْنِه نفى للاختيار فان حَقِيقَة الْقَادِر الْمُخْتَار الْقُدْرَة على فعل أَي الضدين شَاءَ وَترك أَيهمَا شَاءَ قلت لَيْسَ هَذَا بِشَيْء فانه لَا يلْزم من كَون الْمُخْتَار مَقْصُود الِاخْتِيَار على نوع وَاحِد سلب اخْتِيَاره وَلَكِن الَّذِي يبطل هَذَا أَنهم يَقُولُونَ أَن الْكَوْكَب النحس سعد فِي برج كَذَا وَفِي بَيت كَذَا وَإِذا كَانَ النَّاظر إِلَيْهِ من النُّجُوم كَذَا وَكَذَا وَكَذَلِكَ الْكَوْكَب السعد وَيَقُولُونَ أَنَّهَا تفعل بِالذَّاتِ خيرا وبالعرض شرا وَبِالْعَكْسِ وَقد يَقُولُونَ أَنَّهَا تخْتَار فِي زمَان خلاف مَا تخْتَار فِي زمَان آخر وَقد تتفق كلهَا أَو أَكْثَرهَا على إِيثَار الْخَيْر فَيكون فِي الْعَالم فِي ذَلِك الْوَقْت على الْأَكْثَر الْخَيْر والنفع وَالْحسن قَالُوا كَمَا كَانَ فِي زمن بهمن وَفِي أَيَّام أنوشروان وبضد ذَلِك أَيْضا فَيُقَال إِذا كَانَت مختارة وَقد تتفق على إِرَادَة الْخَيْر وعَلى إِرَادَة الْخَيْر وَالشَّر بَطل دلَالَة حُصُولهَا فِي البروج الْمعينَة وَدلَالَة نظر بَعْضهَا إِلَى بعض بتسديد أَو تربيع أَو تثليث أَو مُقَابلَة لِأَن هَذَا شَأْن من يَقع فعله إِلَّا عَن وَجه وَاحِد فِي وَقت معِين على شُرُوط مُعينَة وَلَا ريب أَن هَذَا يَنْفِي الِاخْتِيَار فَكيف يَصح قَوْلكُم بذلك وجمعكم بَين هَاتين القضيتين أَعنِي جَوَاز اخْتِيَارهَا فِي زمَان خلاف مَا تختاره فِي زمَان آخر وَجَوَاز اتفاقها على الْخَيْر واتفاقها على الشَّرّ من غير ضَابِط وَلَا دَلِيل يدلكم عَلَيْهِ ثمَّ تحكمون بِتِلْكَ الْأَحْكَام مستندين فِيهَا إِلَى حركاتها الْمَخْصُوصَة وأوضاعها وَنسبَة بَعْضهَا إِلَى بعض وَهل هَذَا الاضحكة للعقلاء قَالَ وَزعم آخَرُونَ أَنَّهَا لَا تفعل بِاخْتِيَار بل تدل بِاخْتِيَار وَهَذَا كَلَام لَا يعقل مَعْنَاهُ إِلَّا أَنى ذكرته لما كَانَ مقولا وَاخْتلفُوا فَقَالَت فرقة من الْكَوَاكِب مَا هُوَ سعد وَمِنْهَا مَا هُوَ نحس وَهِي تسعد غَيرهَا وتنحسه وَقَالَت فرقة هِيَ فِي أَنْفسهَا طبيعة وَاحِدَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute