الرِّجَال قَالَ ولحال هَذِه الْعلَّة يكون طمث النِّسَاء من قبل الطباع فِي نقص الْأَهِلّة أَكثر لِأَن تِلْكَ الْأَيَّام أبرد من سَائِر ايام الشَّهْر وَهِي أرطب أَيْضا لنَقص الْأَهِلّة وَقلة الْحَرَارَة وَالشَّمْس تصير الصَّيف والشتاء فِي كل سنة فَأَما الْقَمَر فيفعل ذَلِك فِي كل شهر فَتَأمل كَلَام الرجل فَأَنَّهُ لم يتَعَرَّض لكَون الْقَمَر ذكر وَلَا أُنْثَى وَلَا أحَال على ذَلِك وانما أحَال على الْأُمُور الطبيعية فِي الكائنات الفاسدات وَبَين تَأْثِير النيرين فِي الرُّطُوبَة واليبوسة والحرارة والبرودة وَجعل لذَلِك تَأْثِيرا فِي الاذكار والايناث لَا للنجوم والطوالع وَمَعَ أَن كَلَامه أقرب إِلَى الْعُقُول من كَلَام المنجمين فَهُوَ بَاطِل من وُجُوه كَثِيرَة مَعْلُومَة بالحس وَالْعقل وأخبار الْأَنْبِيَاء فان الاذكار والايناث لَا يقوم عَلَيْهِ دَلِيل وَلَا يسْتَند إِلَى أَمر طبيعي وانما هُوَ مُجَرّد مَشِيئَة الْخَالِق البارئ المصور الَّذِي يهب لمن يَشَاء إِنَاثًا ويهب لمن يَشَاء الذُّكُور ويزوجهم ذكرانا وإناثا وَيجْعَل من يَشَاء عقيما انه عليم قدير الَّذِي أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى وَكَذَا هُوَ قرين الْأَجَل والرزق والسعادة والشقاوة حَيْثُ يسْتَأْذن الْملك الْمُوكل بالمولود ربه وخالقه فَيَقُول يَا رب أذكر أم أُنْثَى سعيد أم شقي فَمَا الرزق فَمَا الْأَجَل فَيقْضى الله مَا يَشَاء وَيكْتب الْملك
ولاستقصاء الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَوضِع هُوَ أليق بهَا من هَذَا وَقد أشبعنا الْكَلَام فِيهَا فِي كتاب الرّوح وَالنَّفس وَأَحْوَالهَا وشقاوتها وسعادتها ومقرها بعد الْمَوْت وَالْمَقْصُود الْكَلَام على أَقْوَال الأحكاميين من أَصْحَاب النُّجُوم وَبَيَان تهافتها وَأَنَّهَا إِلَى المحالات والتخيلات أقرب مِنْهَا إِلَى الْعُلُوم والحقائق وَأما قَول الْمُنْتَصر لكم أَن الشَّمْس إِذا كَانَت مسامتة الرؤوس كَانَ الْحر واليبس وهما من طبيعة الذُّكُور وَإِذا كَانَ الْقَمَر مسامة للرؤس كَانَ الْبرد والرطوبة وهما من طبيعة الْإِنَاث فَيُقَال هَذَا لَا يدل على تَأْنِيث الْقَمَر وتذكير الشَّمْس بِوَجْه من الْوُجُوه فان الْبرد والرطوبة يكونَانِ أَيْضا بِسَبَب بعد الشَّمْس من المسامتة وميلها عَن الرُّءُوس وحصولها فِي البروج الشمالية سَوَاء كَانَ الْقَمَر مسامتا أَو غير مسامت فَيَنْبَغِي على قَوْلكُم أَن يكون سَبَب هَذَا الْبرد أُنْثَى وَهَذَا لَا يَقُوله عَاقل بل الْأَسْبَاب طبيعية من برد الْهَوَاء وتكاثفه وتأثير الشَّمْس فِي تَحْلِيل الأبخرة الَّتِي تكون مِنْهَا الْحَرَارَة بِسَبَب بعْدهَا عَن الرؤس وَلَيْسَ سَبَب ذَلِك أُنْثَى اقتضته وفعلته فقد جمعتم إِلَى جهلكم بالطبيعة وَالْكذب على الْخلقَة القَوْل الْبَاطِل على الله وعَلى خلقه وَلَيْسَ الْعجب إِلَّا مِمَّن يدعى شَيْئا من الْعقل والمعرفة كَيفَ ينقاد لَهُ عقله بالإصغاء إِلَى محالاتكم وهذاياناتكم وَلَكِن كل مَجْهُول مهيب وَلما تكايس من تكايس مِنْكُم فِي أَمر الهيولي وَزعم أَنَّهَا أُنْثَى وان الصُّورَة ذكر وان الْجِسْم الْوَاحِد مُشْتَمل على الذّكر وَالْأُنْثَى أضْحك عقلاء الفلاسفة عَلَيْهِ فان زعيمهم ومعلمهم الأول قد نَص فِي كتاب الْحَيَوَان لَهُ على أَن الهيولى فِي الْجِسْم كالذكر وان قُلْتُمْ فَهَذَا يشْهد لقولنا أَيْضا لِأَنَّهَا أَن كَانَت عِنْده كالذكر فالصورة أُنْثَى فَصَارَ الْجِسْم الْوَاحِد بعضه ذكر وَبَعضه أُنْثَى قُلْنَا الْقَائِلُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute