للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحاق الْعَلامَة لَهُ فِي شَيْء من ذَلِك فعلى هَذَا الْوَجْه وَقع التَّذْكِير والتأنيث فِي أَعْضَاء الْحَيَوَان وَأما قسمتكم البروج وأجزاء الْفلك إِلَى مُذَكّر ومؤنث فَلَيْسَتْ بِهَذَا الِاعْتِبَار بل بِاعْتِبَار الْفِعْل والانفعال والحرارة والرطوبة فتشبيه أحد الْبَابَيْنِ بِالْآخرِ تلبيس وَجَهل وَأما تركب الْجِسْم من الهيولى وَالصُّورَة فَأكْثر الْعُقَلَاء نفوه وَقَالُوا هُوَ شَيْء وَاحِد مُتَّصِل متوارد عَلَيْهِ الِاتِّصَال والانفصال كَمَا يتوارد عَلَيْهِ غَيرهمَا من الْأَغْرَاض فيقبلها وَلَا يلْزم من قبُول الِاتِّصَال والانفصال أَن يكون هُنَاكَ شَيْء آخر غير الجسمية يقبل بِهِ ذَلِك وَالَّذين قَالُوا بتركيبه مِنْهُمَا لم يقل أحد مِنْهُم أصلا أَنه مركب من ذكر وَأُنْثَى وَالصُّورَة مُؤَنّثَة فِي اللَّفْظ لَا فِي الطبيعة واضحكاه على عُقُولهمْ السخيفة وَأما دلَالَة الشَّمْس على الْأَب وَهُوَ مُذَكّر وَدلَالَة الْقَمَر على الْأُم وَهِي أُنْثَى فَلَو سلمت لكم هَذِه الدّلَالَة كَيفَ يلْزم مِنْهَا تذكير مادل على الذّكر وتأنيث مَا يدل على الْأُنْثَى وَأَيْنَ الارتباط الْعقلِيّ بَين الدَّلِيل والمدلول فِي ذَلِك كَيفَ وَدلَالَة الشَّمْس على الْأَب وَالْقَمَر على الْأُم مبْنى على تِلْكَ الدعاوي الْبَاطِلَة الَّتِي لَيْسَ لَهَا مُسْتَند إِلَيْهِ إِلَّا خيالات وأوهام لَا يرضاها الْعُقَلَاء

وَأما مَا حكوه عَن ارسطو فَنقل محرف وَنحن نذْكر نَصه فِي الْكتاب الْمَذْكُور فان لنا بِهِ نُسْخَة مصححه قد اعتنى بهَا قَالَ فِي الْمقَالة الثَّامِنَة عشر بعد أَن تكلم فِي عِلّة الاذكار والايناث وَذكر قَول من قَالَ أَن سَبَب الاذكار حرارة الرَّحِم وَسبب الايناث برودته وأبطل هَذَا بِأَن الرَّحِم مُشْتَمل على الذّكر وَالْأُنْثَى مَعًا فِي الْإِنْسَان وَفِي كل حَيَوَان يلد قَالَ فقد كَانَ يَنْبَغِي على قَول هَذَا الْقَائِل أَن يكون التوأمان إِمَّا ذكرين واما أنثيين وأبطله بِوُجُوه أخر وَهَذَا رَأْي أَنْبِذ فَلَيْسَ وَذكر قَول ديمقراطيس أَن ذَلِك لَيْسَ لأجل حرارة الرَّحِم وبرودته بل بِحَسب المَاء الَّذِي يخرج من الذّكر وطبيعته فِي الْحَرَارَة والبرودة وَجعل قُوَّة الاذكار والايناث تَابِعَة لماء الذّكر وَذكر قَول طَائِفَة أُخْرَى أَن خُرُوج المَاء من النَّاحِيَة الْيُمْنَى من الْبدن هِيَ عِلّة الاذكار وَخُرُوجه من النَّاحِيَة الْيُسْرَى هِيَ عِلّة الايناث قَالَ أَن النَّاحِيَة الْيُمْنَى من الْجَسَد أسخن من النَّاحِيَة الْيُسْرَى وأنضج وأدفأ من غَيرهَا وَرجع قَول ديمقراطيس بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الآراء ثمَّ قَالَ فقد بَينا الْعلَّة الَّتِي من أجلهَا يخلق فِي الرَّحِم ذكر وَأُنْثَى والأغراض الَّتِي تعرض تشهد لما بَينا أَن الْأَحْدَاث يلدون الْإِنَاث أَكثر من الشَّبَاب والمتشيبون يلدون إِنَاثًا أَيْضا أَكثر من الشَّبَاب لِأَن الْحَرَارَة الَّتِي فِي الْأَحْدَاث لَيست بتامة بعد الْحَرَارَة الَّتِي فِي الشُّيُوخ نَاقِصَة والأجسام الرّطبَة الَّتِي خلقتها شَبيهَة بخلقة بعض النِّسَاء تَلد إِنَاثًا أَكثر ثمَّ قَالَ فَإِذا كَانَت الرّيح شمالا كَانَ الْوَلَد ذكرا وَإِذا كَانَت جنوبا كَانَ الْمَوْلُود أُنْثَى لِأَن الأجساد إِذا هبت الْجنُوب كَانَت رطبَة وَكَذَلِكَ يكون الزَّرْع أَكثر وَكلما كثر الزَّرْع يكون الطَّبْخ غير نضج ولحال هَذِه الْعلَّة يكون زرع الذكرية وَيكون دم طمث النِّسَاء من قبل الطباع عِنْد خُرُوجه أرطب أَيْضا قلت وَمرَاده بالزرع المَاء الَّذِي يكون من

<<  <  ج: ص:  >  >>