للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانما يَنَالهُ وَاحِد من النَّاس وَلَا يلْزم أَن يكون فِي آبَائِهِ ملك وَلَا يكون ابْن ملك فَمَا بَال طالع الْملك الْمُشْتَرك بَين عدَّة أَوْلَاد خص هَذَا وَحده حَتَّى أَن أَكْثَرَكُم ينظر بِنَصّ بطليموس إِلَى جنس الْمَوْلُود وَمَا يصلح لَهُ فَيحكم على ابْن الْملك بِالْملكِ وعَلى ابْن الْحجام بالحجامة فان كَانَ طالعهما وَاحِدًا حكم بتقدم ابْن الْحجام فِي رياسة صناعته وَكَونه كملكهم وَمَعْلُوم أَن الْحس والوجود أكبر المكذبين لكم فِي هَذِه الْحُكَّام فَمَا كثر من نَالَ الْملك وَلَيْسَ هُوَ من أَبنَاء الْمُلُوك الْبَتَّةَ وَلَا كَانَ طالعه يَقْتَضِي ذَلِك وَحرمه من يَقْتَضِيهِ طالعه بزعمكم مِمَّن أَبوهُ ملك وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي غير الْملك من الطالع الَّذِي يَقْتَضِي كَون الْمَوْلُود حكيما عَالما أَو حاذقا فِي صناعته كم قد أخلف وَحصل الْعلم وَالْحكمَة والتقدم فِي الصِّنَاعَة لغير أَرْبَاب ذَلِك الطالع وَفِي ذَلِك أبين تَكْذِيب لكم وابطال لقولكم وَالله الْمُسْتَعَان قَالَ صَاحب الرسَالَة وَأبْعد من ذَلِك قَوْلهم أَن الْكَوَاكِب الْمُتَحَيِّرَة أجل من الثوابت وَأبين تَأْثِيرا فِي الْعَالم وان كل وَاحِد من الْكَوَاكِب الثَّابِتَة يفعل فعلا وَاحِدًا لَا يَزُول عَنهُ من غير أَن ينحس أَو يسْعد وان عُطَارِد هُوَ من الْكَوَاكِب الْمُتَحَيِّرَة لَيْسَ لَهُ طبع يعرف وَأَنه نحس إِذا قَارن النحوس وَسعد إِذا قَارن السُّعُود وَمن ذَلِك قَوْلهم أَن قُوَّة الْقَمَر الترطيب وان الْعلَّة فِي ذَلِك قرب فلكه من الأَرْض وقبوله البخارات الرّطبَة الَّتِي ترْتَفع إِلَيْهِ مِنْهَا وان قُوَّة زحل أَن يبرد ويجفف تجفيفا يَسِيرا وان عِلّة ذَلِك بعده عَن حرارة الشَّمْس وَعَن البخارات الرّطبَة الَّتِي ترْتَفع من الأَرْض وان قُوَّة المريخ مجففة محرقة لمشاكلة لَونه للون النَّار ولقربه من الشَّمْس لِأَن الكرة الَّتِي فِيهَا الشَّمْس مَوْضُوعَة تَحْتَهُ قلت فَلْيتَأَمَّل الْعَاقِل مَا فِي هَذَا الْكَلَام من ضروب الْمحَال وَمَا للفلك ووصول البخارات الأرضية إِلَيْهِ وَهل فِي قُوَّة البخارات تصاعدها إِلَى سطح الْفلك مَعَ الْبعد المفرط والبخار إِذا ارْتَفع فغاية ارتفاعه كارتفاع السَّحَاب لَا يتعداه وَهل تتأثر العلويات بطبائع السفليات وتتكيف بكيفياتها وتنفعل عَنْهَا

وَمِمَّا يدل على فَسَاد ذَلِك أَيْضا أَن الْقَمَر لَو كَانَ مترطبا من البخارات وَجب أَن تزداد رطوبته فِي كل يَوْم لِأَنَّهُ دَائِم الْقبُول للبخارات وَلَا يَقُولُونَ ذَلِك وان الْتِزَامه مِنْهُم مكابر وَقَالَ كل يَوْم يزْدَاد رُطُوبَة

قلت لَهُ فَمَا تنكر أَن تكون دلَالَة زحل والمريخ على النحوس تتزايد وَتَكون دلَالَته على النحوس فِي الْيَوْم أَكثر من دلَالَته فِي الأمس وَلَو فتح عَلَيْكُم هَذَا الْبَاب فَلَعَلَّ السعد يَنْقَلِب نحسا وَبِالْعَكْسِ وَهَذَا يرفع الْأمان عَن أصُول هَذَا الْعلم

وَأَيْضًا فَإِذا جوزتم انفعال الفلكيات عَن أَجزَاء هَذَا الْعَالم السفلي لزمكم تَجْوِيز فَسَاد هَذِه الْكَوَاكِب من هَذِه الأجرام العنصرية ولزمكم تَجْوِيز أَن ترْتَفع إِلَى الْقَمَر من الأدخنة مَا يُوجب جفافه وبلوغه فِي اليبس الْغَايَة وَأَيْضًا فاذا جوزتم ذَلِك فَلم لَا تجوزون نُفُوذ تِلْكَ البخارات إِلَى مَا ورا

<<  <  ج: ص:  >  >>