للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلك الْقَمَر حَتَّى يترطب فلك الأفلاك فان قُلْتُمْ فلك الْقَمَر عائق عَن ذَلِك

قُلْنَا وكرة الْأَثر حائلة بَين عالمنا هَذَا وَبَين فلك الْقَمَر فَكيف جوزتم وُصُول البخارات الأرضية إِلَى فلك الْقَمَر وَفِي مشابهة لون المريخ للون النَّار مِمَّا يَقْتَضِي تَأْثِيره الإحراق والتجفيف وَهل فِي الهذيان أعجب من هَذَا فان أَرَادوا النَّار البسيطة فَإِنَّهَا لَا لون لَهَا وان أَرَادوا النَّار الْحَادِثَة فَهِيَ بِحَسب مادتها الَّتِي توجب حمرتها وصفرتها وبياضها وَأما كَون الشَّمْس تَحْتَهُ فَهَذَا لَا يَقْتَضِي تأثيرها فِيهِ واعطاؤه قُوَّة التجفيف والاحراق فَإِن الشَّمْس لَو أثرت فِيهِ ذَلِك واعطه إِيَّاه لكَانَتْ الشَّمْس بِهَذَا التَّأْثِير والإعطاء للزهرة أولى لِأَن كرتها فَوق كرة الزهرة ونسبتها إِلَى كرة الزهرة كنسبتها إِلَى كرة المريخ فَهَلا كَانَت قُوَّة الزهرة التجفيف والإحراق بل تَأْثِير الشَّمْس فِيمَا تحتهَا أولى من تأثيرها فِيمَا فَوْقهَا قَالَ صَاحب الرسَالَة وان الْكَوَاكِب الثَّابِتَة الَّتِي فِي الدب الْأَكْبَر قوتها كقوة المريخ وَهَذَا غلط عَظِيم لِأَن لون هَذِه الْكَوَاكِب غير مشبه للون النَّار وَلَيْسَت الكرة الَّتِي فِيهَا الشَّمْس مَوْضُوعَة تحتهَا بل الكرة الَّتِي فِيهَا زحل مَوْضُوعَة تحتهَا فَهِيَ بِأَن يكون حَالهَا مشبها لحَال زحل أولى لِأَنَّهَا فَوْقه وَبعدهَا عَن الشَّمْس وَعَن حرارات الأَرْض أَكثر من بعده قلت وَالْعجب من هَؤُلَاءِ يعلمُونَ قَول مقدمهم بطليموس أَن طبائع الأجرام السماوية وَاحِدَة ثمَّ يحكمون على بَعْضهَا بالحرارة وعَلى بَعْضهَا بالبرودة وَكَذَلِكَ بالرطوبة واليبوسة قَالَ وَزَعَمُوا أَن عُطَارِد معتدل فِي التجفيف والترطيب لِأَنَّهُ لَا يبعد فِي وَقت من الْأَوْقَات عَن حر الشَّمْس بعدا كثيرا وَلَا وَضعه فَوق كرة الْقَمَر وان الْكَوَاكِب الثَّابِتَة الَّتِي فِي الْجَانِي حَالهَا شَبيهَة بِحَالهِ وَلَيْسَ يُوجد لَهَا من السببين اللَّذين دلا على طبيعة عُطَارِد شَيْئا بل الدّور يُوجد لَهَا ضد ذَلِك وَهُوَ أَنَّهَا بعيدَة من الشَّمْس فِي أَكثر الْأَوْقَات وان فلكها أبعد أفلاك الْكَوَاكِب من كرة الْقَمَر وَقَالُوا أَن الْكَوَاكِب الَّتِي من النعاد ١ تشبه حَال عُطَارِد وزحل فِي بعض الْأَوْقَات وتشبه حَال المُشْتَرِي والمريخ فِي بَعْضهَا

قلت وَقد اسْتدلَّ فضلاؤكم على اخْتِلَاف طبائع الْكَوَاكِب باخْتلَاف ألوانها فَقَالُوا زحل لَونه الغبرة والكمودة فحكمنا بِأَنَّهُ على طبع السَّوْدَاء وَهُوَ الْبرد واليبس فان السَّوْدَاء لَهَا من الألوان الغبرة وَأما المريخ فانه يشبه لَونه لون النَّار فَلَا جرم قُلْنَا طبعه حَار يَابِس وَأما الشَّمْس فَهِيَ حارة يابسة لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَن لَوْنهَا يشبه لون الْحمرَة الثَّانِي أَنا نعلم بِالتَّدْبِيرِ أَنَّهَا مسخة للأجسام منشفة للرطوبات وَأما الزهرة فانا نرى لَوْنهَا كالمركب من الْبيَاض والصفرة ثمَّ أَن الْبيَاض يدل على طبيعة البلغم الَّذِي هُوَ الْبرد والرطوبة والصفرة تدل على الْحَرَارَة وَلما كَانَ بَيَاض الزهرة أَكثر من صفرتها حكمنَا عَلَيْهَا بِأَن بردهَا ورطوبتها أَكثر وَأما المُشْتَرِي فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>