للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَت صفرته أَكثر مِمَّا فِي الزهرة كَانَت سخونته أَكثر من سخونته الزهرة وَكَانَ فِي غَايَة الِاعْتِدَال وَأما الْقَمَر فَهُوَ أَبيض وَفِيه كمودة فبياضه يدل على الْبرد وَأما عُطَارِد فانا نرى عَلَيْهِ اللوان مُخْتَلفَة فَرُبمَا رَأَيْنَاهُ أَخْضَر وَرُبمَا رَأَيْنَاهُ أغبر وَرُبمَا رَأَيْنَاهُ على خلاف هذَيْن اللونين وَذَلِكَ فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة مَعَ كَونه من الْأُفق على ارْتِفَاع وَاحِد فَلَا جرم قُلْنَا انه لكَونه قَابلا للألوان الْمُخْتَلفَة يجب أَن يكون لَهُ طبائع مُخْتَلفَة إِلَّا أَنا لما وجدنَا فِي الْغَالِب عَلَيْهِ الغبرة الأرضية قُلْنَا طَبِيعَته أميل إِلَى الأَرْض واليبس وَهَذَا التَّقْرِير بَاطِل من وُجُوه عديدة

أَحدهَا أَن الْمُشَاركَة فِي بعض الصِّفَات لَا تَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي الْمَاهِيّة والطبيعة وَلَا فِي صفة أُخْرَى

الْوَجْه الثَّانِي أَن الدّلَالَة بِمُجَرَّد اللَّوْن على الطبيعة ضَعِيفَة جدا فان النورة والنوشادر والزرنيخ والزئبق المصعد والكبريت فِي غَايَة الْبيَاض مَعَ أَن طبائعها فِي غَايَة الْحَرَارَة الثَّالِث أَن ألوان الْكَوَاكِب لَيست كَمَا ذكرْتُمْ فزحل رصاصي اللَّوْن وَهَذَا مُخَالف للغبرة والسواد الْخَالِص وَأما المُشْتَرِي فَلَا بُد أَن بياضه أَكثر من صفرته فَيلْزم على قَوْلكُم أَن برده أَكثر من حره وهم يُنكرُونَ ذَلِك وَأما الزهرة فَلَا صفرَة فِيهَا الْبَتَّةَ بل الزرقة ظَاهِرَة فِي أمرهَا فَيلْزم أَن تكون خَالِصَة الْبرد وَأما المريخ فان كَانَ حره لشبهه بالنَّار فِي لَونه فَهَذِهِ المشابهة فِي الشَّمْس وَالنَّار أتم فَيلْزم أَن تكون حرارة الشَّمْس وسخونتها أقوى من حرارة المريخ وهم لَا يَقُولُونَ ذَلِك وَأما عُطَارِد فانا وان رَأَيْنَاهُ مُخْتَلف اللَّوْن فِي الْأَوْقَات الْمُخْتَلفَة إِلَّا أَن السَّبَب فِيهِ أَنا لَا نرَاهُ إِلَّا إِذا كَانَ قَرِيبا من الْأُفق وَحِينَئِذٍ يكون بَيْننَا وَبَينه بخارات مُخْتَلفَة فَلَا جرم أَن اخْتلف لَونه لهَذَا السَّبَب وَأما الْقَمَر فقد قَالَ زعيمكم الْمُؤخر أَبُو معشر أَنه لَا ينْسب لَونه إِلَى الْبيَاض إِلَّا من عدم الْحس الْبَصْرِيّ فَتبين بطلَان قَوْلكُم فِي طبائع الْكَوَاكِب وتناقضه واختلافه وَلما علم بعض فضلائكم فَسَاد قَوْلكُم فِي طبائع الْكَوَاكِب وان الْعقل يشْهد بتكذيبه صدف عَنهُ وَأنْكرهُ وَقَالَ إِنَّمَا نشِير بِهَذِهِ القوى والطبائع إِلَى مَا يحدث عَن كل وَاحِد من الأجرام السماوية وينفعل بهَا من الكائنات الفاسدات لَا أَنَّهَا بطبائعها تفعل ذَلِك بل يحدث عَنْهَا مَا يكون حارا أَو بَارِدًا أَو رطبا أَو يَابسا كَمَا يُقَال أَن الْحَرَكَة تسخن وَالصَّوْم يجفف لَا على أَنَّهَا تفعل ذَلِك بطبائعها بل بِمَا يحدث عَنْهَا فبطليموس قَالَ أَن الْقَمَر مرطب وَالشَّمْس تسخن بِحَسب مَا يحدث عَنْهُمَا وتنفعل المنفعلات بِتِلْكَ القوى لَا بِأَن طبائعها مكيفات فَقَالَ نَحن لم ننازعكم فِي تَأْثِير الشَّمْس وَالْقَمَر فِي هَذَا الْعَالم بالرطوبة والبرودة واليبوسة وتوابعها وتأثيرها فِي أبدان الْحَيَوَان والنبات وَلَكِن هما جُزْء من السَّبَب الْمُؤثر وليسا بمؤثر تَامّ فان تَأْثِير الشَّمْس مثلا إِنَّمَا كَانَ بِوَاسِطَة الْهَوَاء وقبوله للسخونة والحرارة بانعكاس شُعَاع الشَّمْس عَلَيْهِ عِنْد مقابلتها لجرم الأَرْض وَيخْتَلف هَذَا الْقبُول عِنْد قرب الشَّمْس من الأَرْض وَبعدهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>