للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيختلف حَال الْهَوَاء وأحول الأبخرة فِي تكاثفها وبرودتها وتلطفها وحرارتها فتختلف التأثيرات باخْتلَاف هَذِه الْأَسْبَاب وَالسَّبَب جُزْء الشَّمْس فِي ذَلِك وَالْأَرْض جُزْء والمقابلة الْمُوجبَة لانعكاس الأشعة جُزْء وَالْمحل الْقَابِل للتأثير والانفعال جُزْء وَنحن لَا ننكر أَن قُوَّة الْبرد بِسَبَب بعد الشَّمْس عَن سمت رؤسنا وَقُوَّة الْحر بِسَبَب قرب الشَّمْس من سمت رؤسنا وَلَا ننكر أَن الشَّمْس إِذا طلت فَإِن الْحَيَوَان ناطقة وبهيمة يخرج من مكامنه وأكنته وَتظهر الْقُوَّة وَالْحَرَكَة فيهم ثمَّ مادامت الشَّمْس صاعدة فِي الرّبع الشَّرْقِي فحركات الْحَيَوَان فِي الازدياد وَالْقُوَّة والاستكمال قإذا مَالَتْ الشَّمْس عَن وسط السَّمَاء أخذت حركات الْحَيَوَان وقواهم فِي الضعْف وتستمر هَذِه الْحَال إِلَى غرُوب الشَّمْس ثمَّ كلما ازْدَادَ نور الشَّمْس عَن هَذَا الْعَالم بعدا ازْدَادَ الضعْف والفتور فِي حَرَكَة الْحَيَوَان وهدأت الأجساد وَرجعت الْحَيَوَانَات إِلَى مكامنها فَإِذا طلعت الشَّمْس رجعُوا إِلَى الْحَالة الأولى وَلَا ننكر أَيْضا ارتباط فُصُول الْعَالم الْأَرْبَعَة بحركات الشَّمْس وحلولها فِي أبراجها وَلَا ننكر أَن السودَان لما كَانَ مسكنهم خطّ الاسْتوَاء إِلَى محاذاة ممر رَأس السرطان وَكَانَت الشَّمْس تمر على رُؤْسهمْ فِي السّنة إِمَّا مرّة وَإِمَّا مرَّتَيْنِ تسودت أبدانهم وجعدت شُعُورهمْ وَقلت رطوبانهم فَسَاءَتْ أَخْلَاقهم وضعفت عُقُولهمْ وَأما الَّذين مساكنهم أقرب إِلَى محاذاة ممر السرطان فالسواد فيهم أقل وطبائعهم أعدل وأخلاقهم أحسن وأجسامهم الطف كَأَهل الْهِنْد واليمن وَبَعض أهل الغرب وَعكس هَؤُلَاءِ الَّذين مساكنهم على ممر رَأس السرطان إِلَى محاذاة بَنَات نعش الْكُبْرَى فَهَؤُلَاءِ لأجل أَن الشَّمْس لَا تسامت رُؤْسهمْ وَلَا تبعد عَنْهُم أَيْضا بعدا كثيرا لم يعرض لَهُم حر شَدِيد وَلَا برد شَدِيد قَالُوا إِنَّهُم متوسطة وأجسامهم معتدلة وأخلاقهم فاضلة كَأَهل الشَّام وَالْعراق وخراسان وَفَارِس والصين ثمَّ من كَانَ من هَؤُلَاءِ أميل إِلَى نَاحيَة الْجنُوب كَانَ أتم فِي الذكاء والفهم وَمن كَانَ مِنْهُم يمِيل إِلَى نَاحيَة الشرق فهم أقوى نفوسا وَأَشد ذكورة وَمن كَانَ يمِيل إِلَى نَاحيَة الغرب غلب عَلَيْهِ اللين والرزانة وَمن تَأمل هَذَا حق التَّأَمُّل وسافر بفكره فِي أقطار الْعَالم علم حِكْمَة الله فِي نشره مَذْهَب أهل الْعرَاق وَمَا فِيهِ من اللين وَمَا شاكله كُله فِي أهل الْمشرق وَمذهب أهل المدنية وَمَا فِيهِ من الشدَّة وَالْقُوَّة فِي أهل الْمغرب وَأما من كَانَت مساكنهم محاذية لبنات نعش وهم الصقالبة وَالروم فَإِنَّهُم لِكَثْرَة بعدهمْ عَن مسامتة الشَّمْس صَار الْبرد غَالِبا عَلَيْهِم والرطوبة الفضلية فيهم لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْحَرَارَة هُنَاكَ مَا ينشفها وينضجها فَلذَلِك صَارَت ألوانهم بَيْضَاء وشعورهم سبطة شقراء وأبدانهم رخصَة وطبائعهم مائلة إِلَى الْبُرُودَة وأذهانهم جامدة وكل وَاحِد من هذَيْن الطَّرفَيْنِ وهما الأقليم الأول وَالسَّابِع يقل فِيهِ الْعمرَان وَيَنْقَطِع بعضه عَن بعض لأجل غَلَبَة اليبس ثمَّ لاتزال الْعِمَارَة تزداد فِي الإقليم

<<  <  ج: ص:  >  >>