للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي وَالسَّادِس وَالْخَامِس ويقل الخراب فِيهَا وَأما الإقليم الرَّابِع فَإِنَّهُ أَكثر الأقاليم عمَارَة وأقلها خرابا بِالْفَصْلِ الْوسط على الْأَطْرَاف بِسَبَب اعْتِدَال المزاج وَهُوَ الَّذِي انتشرت فِيهِ دَعْوَة الْإِسْلَام وَضرب الدّين بجرانة فِيهِ وَظهر فِيهِ أعظم من ظُهُوره فِي سَائِر الأقاليم وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي زويت لي الأَرْض فَرَأَيْت مشارقها وَمَغَارِبهَا وسيبلغ ملك أمتِي مازوى لي مِنْهَا فَكَانَ انتشار دَعوته فِي أعدل الأَرْض وَلذَلِك انتشرت شرقا وغربا أَكثر من انتشارها جنوبا وَشمَالًا وَلِهَذَا زويت لَهُ فَأرى مشارقها وَمَغَارِبهَا وَبشر أمته بانتشار مملكتها فِي هذَيْن الربعين فَإِنَّهُمَا أعدل الأَرْض وَأَهْلهَا أكمل النَّاس خلقا وخلقا فَظهر الْكَمَال لَهُ فِي الْكتاب وَالدّين وَالْأَصْحَاب والشريعة والبلاد والممالك صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ فَإِن قيل فقد فضلْتُمْ الإقليم الرَّابِع على سَائِر الأقاليم مَعَ أَن شَيْئا من الْأَدْوِيَة لَا تتولد فِيهِ الأدواء ضَعِيفا وَإِنَّمَا تتكون الْأَدْوِيَة فِي سَائِر الأقاليم قيل هَذَا من أدل الدَّلَائِل على فَضله عَلَيْهَا لِأَن طبيعة الدَّوَاء لَا تكون معتدلة إِذْ لَو حصل فِيهَا الِاعْتِدَال لَكَانَ غذَاء لَا دَوَاء والطبيعة الْخَارِجَة عَن الِاعْتِدَال لَا تحدث إِلَّا فِي المساكن الْخَارِجَة عَن الِاعْتِدَال وَكَذَلِكَ حَال الشَّمْس فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تسامتها فموضع حضيضها وغابة قربهَا من الأَرْض فِي البراري الجنوبية تكون تِلْكَ الْأَمَاكِن محترقة نارية لَا يتكون فِيهَا حَيَوَان الْبَتَّةَ وَلذَلِك وَالله أعلم كَانَ أَكثر البخار من الْجَانِب الجنوبي دون الشمالي لِأَن الشَّمْس إِذا كَانَت فِي حضيضها كَانَت أقرب إِلَى الأَرْض وَإِذا كَانَت فِي أوجها كَانَت أبعد وَعند قربهَا من الأَرْض يعظم تسخينها والسخونة جاذبة للرطوبات وَإِذا انجذبت الرطوبات إِلَى الْجَانِب الجنوبي انْكَشَفَ الْجَانِب الشمالي ضَرُورَة وَصَارَ مُسْتَقرًّا للحيوان الأرضي والجنوبي أعظم الْجَانِبَيْنِ رُطُوبَة وأكثرها مياها ومقرا للحيوان المائي وَأما الْمَوَاضِع المسامتة لأوج الشَّمْس فِي الشمَال فَهِيَ غير محترقة بل معتدلة لبعد الشَّمْس من الأَرْض وَسبب التَّفَاوُت الْقَلِيل الْحَاصِل بَين أقرب قرب الشَّمْس من الأَرْض وَأبْعد بعْدهَا مِنْهَا صَار الجنوبي محترقا والجانب الشمالي معتدلا فَلَو كَانَت الشَّمْس حَاصِلَة فِي فلك الْكَوَاكِب لفسد هَذَا الْعَالم من شدَّة الْبرد وَلَو فَرضنَا أَنَّهَا انحدرت إِلَى فلك الْقَمَر لأحرقت هَذَا الْعَالم فاقتضت حِكْمَة الْعَزِيز الْعَلِيم الْحَكِيم أَن وضع الشَّمْس وسط الْكَوَاكِب السَّبْعَة وَجعل حركتها المعتدلة وقربها المعتدل سَببا لاعتدال هَذَا الْعَالم وَجعل قربهَا وَبعدهَا وارتفاعها وانخفاضها سَببا لفصوله الَّتِي هِيَ نظام مصالحة فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين وَأحسن الْخَالِقِينَ وَأهل الإقليم الأول لأجل قربهم من الْموضع المحازى لحضيض الشَّمْس كَانَت سخونة هوائهم شَدِيدَة وَلَا جرم كَانُوا أَشد سواءا من مَكَان خطّ الاسْتوَاء وَأهل الإقليم الثَّانِي سخونة هوائهم ألطف فَكَانُوا سمر الألوان والإقليم الثَّالِث وَالرَّابِع أعدل الأقاليم مزاجا بِسَبَب اعْتِدَال الْهَوَاء بِسَبَب تَعْدِيل ارْتِفَاع الشَّمْس لَا تكون فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>