للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعْدهَا عَن الأَرْض فههنا وَإِن حصلت مسامتة مفيدة لمزيد السخونة لَكِن حصل أَيْضا الْبعد المقلل للسخونة فَحصل الِاعْتِدَال من بعض الْوُجُوه وَفِي الْجَانِب الجنوبي وَإِن حصل مزِيد الْقرب من الأَرْض لَكِن لم يحصل هُنَاكَ مسامتة للمساكن المعمورة لخط الِاعْتِدَال فِي الْجَانِبَيْنِ بِهَذِهِ الطَّرِيق وَصَارَ أهل الإقليم الثَّالِث وَالرَّابِع أفضل النَّاس صورا وأخلاقا وَأما الإقليم الْخَامِس فَإِن سخونة الْهَوَاء هُنَاكَ اقل من الِاعْتِدَال بِمِقْدَار يسير فَلَا جرم صَار فِي جُزْء الْبرد وَصَارَت طبائع أَهله أقل نضجا من طبائع أهل الإقليم الرَّابِع إِلَّا أَن بعدهمْ عَن الِاعْتِدَال قَلِيل وَأما أهل الإقليم السَّادِس وَالسَّابِع فَإِن أَهلهَا محرورون ولغلبة الْبرد والرطوبة عَلَيْهِم يشْتَد بَيَاض ألوانهم وزرقة عيونهم وَأما الْمَوَاضِع الَّتِي تقرب من أَن يكون الْخط فِيهَا فَوق الرَّأْس فهناك لَا يصل تسخين الشَّمْس إِلَيْهَا فَلَا جرم عظم الْبرد فِيهَا وَلم يكن هُنَاكَ حَيَوَان الْبَتَّةَ وَهَذَا كُله يدل على أَن الشَّمْس جُزْء السَّبَب وَأَن الْهَوَاء جُزْء السَّبَب وَالْأَرْض جُزْء وانعكاس الشعاع جُزْء وَقبُول المنفعلات جُزْء مَجْمُوع ذَلِك سَبَب وَاحِد قدرَة الْعَلِيم الْقَدِير وأجرى عَلَيْهِ نظام الْعَالم وَقدر سُبْحَانَهُ أَشْيَاء أخر لَا يعرفهَا هَؤُلَاءِ الْجُهَّال وَلَا عِنْدهم مِنْهَا خبر من تَدْبِير الْمَلَائِكَة وحركاتهم وَطَاعَة استقصات الْعَالم ومواده لَهُم وتصريفهم تِلْكَ الْموَاد بِحَسب مَا رسم لَهُم من التَّقْدِير الإلهي وَالْأَمر الرباني ثمَّ قدر تَعَالَى أَشْيَاء آخر تمانع هَذِه الْأَسْبَاب عِنْد التصادم وتدافعها وتقهر مُوجبهَا ومقتضاها ليظْهر عَلَيْهَا اثر الْقَهْر والتسخير والعبودية وَأَنَّهَا مصرفة مُدبرَة بتصريف قاهر قَادر كَيفَ يَشَاء ليدل عباده على أَنه هُوَ وَحده الفعال لما يُرِيد لخلقه كَيفَ يَشَاء وَأَن كل مَا فِي المملكة الإلهية طوع قدرته وَتَحْت مَشِيئَته وَأَنه لَيْسَ شَيْء يسْتَقلّ وَحده بِالْفِعْلِ إِلَّا الله وكل مَا سواهُ لَا يفعل شَيْئا إِلَّا بمشارك ومعاون وَله مَا يعاوقه ويمانعه ويسلبه تَأْثِيره فَتَارَة يسلب سُبْحَانَهُ النَّار إحراقها ويجعلها بردا كَمَا جعلهَا على خَلِيله بردا وَسلَامًا وَتارَة يمسك بَين أَجزَاء المَاء فَلَا يتلاقى كَمَا فعل بالبحر لمُوسَى وَقَومه وَتارَة يشق الأجرام السماوية كَمَا شقّ الْقَمَر لخاتم أنبيائه وَرُسُله وَفتح السَّمَاء لمصعده وعروجه وَتارَة يقلب الجماد حَيَوَانا كَمَا قلب عَصا مُوسَى ثعبانا وَتارَة يُغير هَذَا النظام ويطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا كَمَا أخبر بِهِ أصدق خلقه عَنهُ فَإِذا أَتَى الْوَقْت الْمَعْلُوم فشق السَّمَوَات وفطرها ونثر الْكَوَاكِب على وَجه الأَرْض ونسف جبال الْعَالم ودكها مَعَ الأَرْض وكور شمس الْعَالم وقمره وَرَأى ذَلِك الْخَلَائق عيَانًا ظهر لِلْخَلَائِقِ كلهم صدقه وَصدق رسله وَعُمُوم قدرته وكمالها وَأَن الْعَالم بأسره منقاد لمشيئته طوع قدرته لَا يستعصي عَلَيْهِ انفعاله لما يشاؤه ويريده مِنْهُ وَعلم الَّذين كفرُوا وكذبوا رسله من الفلاسفة والمنجمين وَالْمُشْرِكين والسفهاء الَّذين سموا أنفسهم الْحُكَمَاء أَنهم كَانُوا كاذبين

وَاجْتمعَ جمَاعَة من الكبراء والفضلاء يَوْمًا فَقَرَأَ قارىء {إِذا الشَّمْس كورت وَإِذا النُّجُوم انكدرت وَإِذا الْجبَال}

<<  <  ج: ص:  >  >>