للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيرت حَتَّى بلغ علمت نفس مَا أحضرت وَفِي الْجَمَاعَة أَبُو الْوَفَاء ين عقيل فَقَالَ لَهُ قَائِل يَا سَيِّدي هَب أَنه أنشر الْمَوْتَى للبعث والحساب وَزوج النُّفُوس بقرنائها للثَّواب وَالْعِقَاب فَمَا الْحِكْمَة فِي هدم الْأَبْنِيَة وتسيير الْجبَال ودك الأَرْض وَفطر السَّمَاء ونثر النُّجُوم وتخريب هَذَا الْعَالم وتكوير شمسه وَخسف قمره فَقَالَ ابْن عقيل على البديهة إِنَّمَا بني لَهُم هَذِه الدَّار للسُّكْنَى والتمتع وَجعلهَا وَمَا فِيهَا للاعتبار والتفكر وَالِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِحسن التَّأَمُّل والتذكر فَلَمَّا انْقَضتْ مُدَّة السُّكْنَى وأجلاهم عَن الدَّار وخربها لانتقال السَّاكِن مِنْهَا فَأَرَادَ أَن يعلمهُمْ بِأَن فِي أحالة الْأَحْوَال وَإِظْهَار تِلْكَ الْأَهْوَال وإبداء ذَلِك الصنع الْعَظِيم بَيَانا لكَمَال قدرته وَنِهَايَة حكمته وعظمة ربو بَيته وعرا جَلَاله وَعظم شَأْنه وتكذيبا لأهل الْإِلْحَاد وزنادقة المنجمين وَعباد الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر والأوثان ليعلم الَّذين كفرُوا أَنهم كَانُوا كاذبين فَإِذا رَأَوْا أَن منار آلِهَتهم قد انْهَدم وَأَن معبوداتهم قد انتثرت والأفلاك الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا وَمَا حوته هِيَ الأرباب المستولية على هَذَا الْعَالم قد تشققت وانفطرت ظَهرت حِينَئِذٍ فضائحهم وَتبين كذبهمْ وَظهر أَن الْعَالم مربوب مُحدث مُدبر لَهُ رب يصرفهُ كَيفَ يَشَاء تَكْذِيبًا لملاحده الفلاسفة الْقَائِلين بقدمه فكم لله من حِكْمَة فِي هدم هَذِه الدَّار وَدلَالَة على عَظِيم قدرته وعزته وسلطانه وانفراده بالربوبية وانقياد الْمَخْلُوقَات بأسرها لقهره وإذعانها لمشيئته فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين وَنحن لَا ننكر وَلَا ندفع أَن الزَّرْع والنبات لَا يَنْمُو وَلَا ينشأ إِلَّا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي تطلع عَلَيْهَا الشَّمْس وَنحن نعلم أَيْضا أَن وجود بعض النَّبَات فِي بعض الْبِلَاد لَا سَبَب لَهُ الإختلاف الْبلدَانِ فِي الْحر وَالْبرد الَّذِي سَببه حَرَكَة الشَّمْس وتقاربها فِي قربهَا وَبعدهَا من ذَلِك الْبَلَد وَأَيْضًا فَأن النّخل ينْبت فِي الْبِلَاد الحارة وَلَا ينْبت فِي الْبِلَاد الْبَارِدَة وَشَجر الموز لَا ينْبت فِي الْبِلَاد الْبَارِدَة وَكَذَلِكَ ينْبت فِي الْبِلَاد الجنوبية أَشجَار وفواكه وحشائش لَا يعرف شَيْء مِنْهَا فِي جَانب الشمَال وَبِالْعَكْسِ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَات يخْتَلف تكونها بِحَسب اخْتِلَاف حرارة الْبِلَاد وبرودتها فَإِن النسْر والفيل يكونَانِ بِأَرْض الْهِنْد وَلَا يكونَانِ فِي سَائِر الأقاليم الَّتِي هِيَ دونهَا فِي الْحَرَارَة وَكَذَلِكَ غزال الْمسك والكركند وَغير ذَلِك وَكَذَلِكَ لَا ندفع تَأْثِير الْقَمَر فِي وَقت امتلائه فِي الرطوبات حَتَّى فِي جزر الْبحار ومدها فَإِن مِنْهَا مَا يَأْخُذ فِي الازدياد من حِين يُفَارق الْقَمَر الشَّمْس إِلَى وَقت الامتلاء ثمَّ إِنَّه يَأْخُذ فِي الانتقاص وَلَا يزَال نقصانه يسْتَمر بِحَسب نُقْصَان الْقَمَر حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى غَايَة نقصانه عِنْد حُصُول المحاق وَمن الْبحار مَا يحصل فِيهِ الْمَدّ والجزر فِي كل يَوْم وَلَيْلَة مَعَ طُلُوع الْقَمَر وغروبه وَذَلِكَ مَوْجُود فِي بَحر فَارس وبحر الْهِنْد وَكَذَلِكَ بَحر الصين وكيفيته أَنه إِذا بلغ الْقَمَر مشرقا من مَشَارِق الْبَحْر ابْتَدَأَ الْبَحْر بِالْمدِّ وَلَا يزَال كَذَلِك إِلَى أَن يصير الْقَمَر إِلَى وسط سَمَاء ذَلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>