للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا هُوَ فِي الآخر ثمَّ إِن الزَّمَان انْقَلب بحلول الشَّمْس فِيهِ وَهُوَ يبْقى دهره منقلبا مَعَ خُرُوج الشَّمْس مِنْهُ وحلولها فِيهِ أتراها تخْتَلف فِيهِ أثرا وتحيل مِنْهُ طباعا وتبقي تِلْكَ الاستحالة إِلَى أَن تعود فتجددها وَلم لَا يَقُول قَائِل أَن السرطان حَار يَابِس لِأَن الشَّمْس إِذا نزلت اشْتَدَّ حر الزَّمَان وَمَا يجانس هَذَا مِمَّا لَا يلْزم لَا هُوَ وَلَا ضِدّه مَا فِي الْفلك اخْتِلَاف معرفَة الطبيعي إِلَّا بِمَا فِيهِ من الْكَوَاكِب ومواضعها وَهُوَ وَاحِد متشابه الْجَوْهَر والطبع وَهَذِه أَقْوَال قَالَهَا قَائِلا فقبلها قَابل ونقلها ناقل فَحسن بهَا ظن السَّامع واغتر بهَا من لَا خبْرَة لَهُ وَلَا قدرَة لَهُ على النّظر ثمَّ حكم بحسبها الحاكمون بجيد وردىء وسلب وَإِيجَاب سعد ونحوس فصادف بعضه مُوَافقَة الْوُجُود فَصدق فاغتر بِهِ المغترون وَلم يلتفتوا إِلَى مَا كذب مِنْهُ فيكذبون بل عذروا وَقَالُوا هُوَ منجم مَا هُوَ نَبِي حَتَّى يصدق فِي كل مَا يَقُول وَاعْتَذَرُوا لَهُ بِأَن الْعلم أوسع من أَن يُحِيط بِهِ وَلَو أحَاط بِهِ لصدق فِي كل شَيْء ولعمر الله أَنه لَو أحَاط بِهِ علما صَادِقا لصدق والشأن أَن يُحِيط بِهِ على الْحَقِيقَة لَا على أَن يفْرض فرضا ويتوهم وهما فينقله إِلَى الْوُجُود ويثبته فِي الْمَوْجُود وينسب إِلَيْهِ ويقيس عَلَيْهِ وَالَّذِي يَصح مِنْهُ ويلتفت إِلَيْهِ الْعُقَلَاء هِيَ أَشْيَاء غير هَذِه الخرفات الَّتِي لَا أصل لَهَا مِمَّا حصل بتوقيف أَو تجربة حَقِيقِيَّة كالقرانات والانتقالات والمقابلة من جملَة الاتصالات فانها الْمُقَارنَة من جِهَة أَن تِلْكَ غَايَة الْقرب وَهَذِه غَايَة الْبعد وممر كَوْكَب من الْمُتَحَيِّرَة تَحت كَوْكَب من الثَّابِتَة وَمَا يفْرض للمتحيرة من رُجُوع واستقامة وَرُجُوع فِي شمال وانخفاض فِي جنوب وَغير ذَلِك وَكَأَنِّي أُرِيد أَن اختصر الْكَلَام هَهُنَا وأوفق إشارتك واعمل بِحَسب اختيارك رِسَالَة فِي ذَلِك أذكر مَا قيل فِيهَا من علم إحكام النُّجُوم من أصُول حَقِيقِيَّة أَو مجازية أَو وهمية أَو غلطية وفروع نتائج أنتجت عَن تِلْكَ الْأُصُول وأذكر الْجَائِز من ذَلِك والممتع والقريب والبعيد فَلَا أرد علم الْأَحْكَام من كل وَجه كَمَا رده من جَهله وَلَا أقبل فِيهِ كل قَول كَمَا قبله من لم يعقله بل أوضح مَوضِع الْقبُول وَالرَّدّ فِي المقبول وَمَوْضِع التَّوَقُّف والتجويز وَالَّذِي من المنجم وَالَّذِي من التنجيم وَالَّذِي مِنْهُمَا وأوضح لَك أَنه لَو أمكن الْإِنْسَان أَن يُحِيط بشكل كل مَا فِي الْفلك علما لأحاط علما بِكُل مَا يحويه الْفلك لِأَن مِنْهُ مبادى الْأَسْبَاب لكنه لَا يُمكن وَيبعد عَن الْإِمْكَان بعدا عَظِيما وَالْبَعْض الْمُمكن مِنْهُ لَا يهدى إِلَى بعض الحكم لِأَن الْبَعْض الآخر الْمَجْهُول قد يُنَاقض الْمَعْلُوم فِي حكمه وَيبْطل مَا يُوجِبهُ فنسبه الْمَعْلُوم إِلَى الْمَجْهُول من الإحكام كنسبة الْمَعْلُوم إِلَى الْمَجْهُول من الاسباب وَكفى بذلك بعدا انْتهى كَلَامه وَلَو ذَهَبْنَا نذْكر من رد عَلَيْهِم من عقلاء الفلاسفة والطبائعين والرياضيين لطال ذَلِك جدا هَذَا غير رد الْمُتَكَلِّمين عَلَيْهِم فَإنَّا لَا نقنع بِهِ وَلَا نرضى أَكْثَره فَإِن فِيهِ من المكابرات والمنوع الْفَاسِدَة والسؤالات الْبَارِدَة والتطويل الَّذِي لَيْسَ تَحْتَهُ تَحْصِيل مَا يضيع الزَّمَان فِي غير شَيْء

<<  <  ج: ص:  >  >>