للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنذ وَقت انتصافه الأول فِي الضَّوْء إِلَى وَقت الامتلاء يكون فَاعِلا للحرارة ومنذ وَقت الامتلاء إِلَى وَقت الانتصاف الثَّانِي فِي الضَّوْء يكون فَاعِلا لليبس ومنذ وَقت الانتصاف إِلَى الْوَقْت الَّذِي يخفى فِيهِ وَيُفَارق الشَّمْس يكون فَاعِلا للبرودة وَأي شَيْء اقبح من هَذَا وَلَا سِيمَا وَقد أعْطى قَائِله أَن الْقَمَر رطب وَأَنه يفعل بطبعه لَا بِاخْتِيَارِهِ وَكَيف أَن يفعل شَيْء وَاحِد بطبعه الْأَشْيَاء المتضادة مرّة فِي الدَّهْر فضلا عَن أَن يَفْعَلهَا فِي كل شهر وَهل القَوْل بِأَن شَيْئا وَاحِدًا يفعل بطبعه فِي الْأَشْيَاء الترطيب فِي وَقت وَيفْعل بطبعه التجفيف فِي آخر وَيفْعل الاسخان فِي وَقت وَيفْعل التبريد فِي آخر إِلَّا كالقول بِأَن شَيْئا وَاحِدًا تنْقَلب عينه

وقتا بعد وَقت قلت قد قَالُوا إِن الشَّمْس لما كَانَت تفعل هَذِه الأفاعيل بِحَسب صعودها وهبوطها فِي فلكها فَإِنَّهَا إِذا كَانَت من خَمْسَة عشر دَرَجَة من الْحُوت إِلَى خَمْسَة عشر من الجوزاء فعلت الترطيب وَهُوَ زمَان الرّبيع وَكَذَلِكَ من خَمْسَة عشر دَرَجَة من الْقوس إِلَى خَمْسَة عشر من الْحُوت تفعل التبريد وَهُوَ زمَان الشتَاء وَهَذَا دورها فِي الْفلك مرّة فِي الْعَام وَالْقَمَر يَدُور فِي شهر وَاحِد صَارَت نِسْبَة دور الْقَمَر فِي الْفلك كنسبة دور الشَّمْس فِيهِ فَكَانَت نِسْبَة الشَّهْر إِلَى الْقَمَر كنسبة السّنة إِلَى الشَّمْس فالشهر يجمع الْفُصُول الْأَرْبَعَة كَمَا تجمعه السّنة وَمَا تَفْعَلهُ الشَّمْس فِي كل تسعين يَوْمًا وَكسر يَفْعَله الْقَمَر فِي سَبْعَة أَيَّام وَكسر قَالُوا فآخر الشَّهْر شَبيه بالشتاء وأوله شَبيه بِالربيعِ وَالرّبع الثَّانِي من الشَّهْر شَبيه بالصيف وَالرّبع الثَّالِث مِنْهُ شَبيه بالخريف فَهَذَا غَايَة مَا قرروا بِهِ هَذَا الحكم قَالُوا وَأما كَون الشَّيْء الْوَاحِد سَببا للضدين فقد قضا أرسطا طاليس فِي كتاب السماع الطبيعي على جَوَازه وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن الشَّمْس لَيست هِيَ السَّبَب الْفَاعِل لهَذِهِ الطبائع الْمُخْتَلفَة وَإِنَّمَا قربهَا وَبعدهَا وارتفاعها وانخفاضها أثر فِي سخونة الْهَوَاء وتبريده وَفِي تحلل البخارات وتكاثفها فَيحدث بذلك فِي الْحَيَوَان والنبات والهواء هَذِه الطبائع والكيفيات وَالشَّمْس جُزْء السَّبَب كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَأما الْقَمَر فَلَا يُؤثر قربه وَلَا بعده وامتلاؤه ونقصانه فِي الْهَوَاء كَمَا تؤثره الشَّمْس فَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ كل شهر من شهور الْعَام يجمع الْفُصُول الْأَرْبَعَة بطبائعها وتأثيراتها وأحكامها وَهَذَا شَيْء يَدْفَعهُ الْحس فضلا عَن النّظر والمعقول وَقِيَاس الْقَمَر على الشَّمْس فِي ذَلِك من أفسد الْقيَاس فان الْفَارِق بَينهمَا فِي الصّفة وَالْحَرَكَة والتأثير أَكثر من الْجَامِع فَالْحكم على الْقَمَر بِأَنَّهُ يحدث الطبائع الْأَرْبَعَة قِيَاسا على الشَّمْس وَالْجَامِع بَينهمَا قِطْعَة للفلك فِي كل شهر كَمَا تقطعه فِي سنة لَا يعْتَمد عَلَيْهِ من لَهُ خَبره بطرق الْأَدِلَّة وسنعة الْبُرْهَان وَأما قَوْلكُم أَن أرسطا طاليس نَص فِي كِتَابه على ان الْوَاحِد قد يكون سَببا للضدين فَنحْن نذْكر كَلَامه بِعَيْنِه فِي كِتَابه ونبين مَا فِيهِ وَقَالَ فِي الْمقَالة الثَّانِيَة وايضا فَإِن الْوَاحِد قد يكون سَببا للضدين فان الشَّيْء الَّذِي بِحُضُورِهِ يكون أَمر من الْأُمُور فغيبته قد تكون سَببا لضده فَيُقَال فِي ذَلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>