للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِن غيبَة الربان سَبَب غرق السَّفِينَة وَهُوَ الَّذِي كَانَ حُضُوره سَبَب سلامتها فَتَأمل هَذَا الْكَلَام وقابل بَينه وَبَين كَلَامهم فِي فعل الْقَمَر الامور المتضادة يظْهر لَك تلبيس الْقَوْم وجهلهم فان نظر ذَلِك يُوجب بطلَان هَذِه الطبائع والكيفيات عِنْد انْقِطَاع تعلق الْقَمَر بِهَذَا الْعَالم كَمَا بَطل عمل السَّفِينَة وجريها عِنْد غيبَة الربان عَنْهَا انْقِطَاع تعلقة بهَا فَلم يكن الربان هُوَ سَبَب الْغَرق الَّذِي هُوَ ضد السَّلامَة كَمَا كَانَ الْقَمَر سَببا لليبس الَّذِي هُوَ ضد الرُّطُوبَة وللحرارة الَّتِي هِيَ ضد الْبُرُودَة وَإِنَّمَا كَانَت أَسبَاب الْغَرق غيبَة أحد الْأَسْبَاب الَّتِي كَانَ الربان يمْنَع فعلهَا فَلَمَّا غَابَ عَنْهَا عمل ذَلِك السَّبَب عمله فغرقت وَهَذَا أوضح من أَن يحْتَاج إِلَى تَقْرِير وَلَكِن الأذهان الَّتِي قد اعتادت قبُول المحالات قد يحْتَاج فِي علاجها إِلَى مَالا يحْتَاج إِلَيْهِ غَيرهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

قَالَ صَاحب الرسَالَة وَقَالُوا فِي معرفَة أَحْوَال أُمَّهَات المدن أَن ذَلِك يعلم من الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الشَّمْس وَالْقَمَر فِي أول ابتنائها ومواضع الاوتاد فَهُوَ خَاصَّة وتد الطالع كَمَا يفعل فِي المواليد فَإِن لم يتَوَقَّف على الزَّمَان الَّذِي بنيت فِيهِ فَلْينْظر إِلَى مَوضِع وسط السَّمَاء فِي مواليد الْوُلَاة والملوك الَّذين كَانُوا فِي ذَلِك الزَّمَان الَّذِي بنيت فِيهِ تِلْكَ المدن قلت وَنَظِير هَذَا من هذيانهم قَوْلهم أَنا نَعْرِف أَحْوَال الْأَب من مولد الابْن إِذا لم يعرف مولد الْأَب قَالُوا أَن هَذَا الْموضع تالي الْمرتبَة للطالع وَهُوَ أخص الْمَوَاضِع بالطالع كَمَا أَن الْأَب أخص الْأَشْيَاء بالابن فَكَذَلِك أخص الْأَشْيَاء بِالْملكِ مَمْلَكَته فموضع وسط سمائه يدل على مدينته وَأَحْوَالهَا وكل عَاقل يعلم بطلَان هَذِه الدّلَالَة وفسادها وأته لَا ارتباط بَين طالع الْمَدِينَة وطالع السُّلْطَان كَمَا لَا ارتباط بَين طالع ولادَة الابْن وطالع ولادَة أَبِيه وَإِنَّمَا هَذِه تشبيهات بعيدَة ومناسبات فِي غَايَة الْبعد

قَالَ صَاحب الرسَالَة وَقَالُوا فِي معرفَة حَال الْوَالِدين إِن الشَّمْس وزحل يشاكلان الْآبَاء بالطبع وَلست أدرى كَيفَ تعقل دلَالَة شَيْء لَيْسَ مِمَّا يتوالد بطبعه على شَيْء من طَرِيق التوالد لِأَن الْأَب إِنَّمَا يكون أَبَا باضافته إِلَى ابْنه وَالِابْن إِنَّمَا يكون ابْنا باضافته إِلَى أَبِيه وانهم يستدلون على حَال الْأَوْلَاد بالقمر والزهرة والمشترى وَأَن أَحْوَال الْأَب تعرف من مواليد ابْنه بِأَن يُقَام مَوضِع الْكَوْكَب الدَّال عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّمْس أَو زحل مقَام الطالع ويستدل على حَال الابْن من مولد أَبِيه بِأَن يُقَام مَوضِع الْكَوْكَب الدَّال عَلَيْهِ وَهُوَ أحد الْكَوَاكِب الثَّلَاثَة الْقَمَر والمشترى والزهرة مقَام الطالع وَقد يكون الْإِنْسَان فِي أَكثر الْأَوْقَات أَبَا فَيكون الشَّمْس وزحل يدل عَلَيْهِ من مولد ابْنه وَله فِي نَفسه مولد لامحالة وَيُمكن أَن يكون رب طالع مولده كوكبا غير الكوكبين الدالين على حَاله من مولد أَبِيه وَابْنه فَيكون حَاله يعرف من ثَلَاثَة كواكب وَثَلَاثَة بروج مُخْتَلفَة الأشكال والطبائع وتناقض هَذَا القَوْل بَين لمستعمله فضلا عَن متوهمة

قلت قد قَالُوا فِي الْجَواب عَن هَذَا أَنه

<<  <  ج: ص:  >  >>