للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْنَام وَلَيْسَ يحْتَاج أحد إِلَى معرفَة أصحيح هُوَ أم سقيم من النُّجُوم لِأَن ذَلِك يُوجد حسا وَيعلم ضَرُورَة وَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى اسْتِدْلَال وَبحث قلت قد احْتج لَهُم بِغَيْر هَذِه الْحجَج فنذكرها ونبين بطلَان استدلالهم بهَا وَبَيَان الْبَاطِل مِنْهَا قَالَ أَبُو عبد الله الرازى اعْلَم أَن المثبتين لهَذَا الْعلم احْتَجُّوا من كتاب الله بآيَات

إِحْدَاهَا الْآيَات الدَّالَّة على تَعْظِيم هَذِه الْكَوَاكِب فَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى فَلَا أقسم بالخنس والجواري الكنس وَأكْثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد هُوَ الْكَوَاكِب الَّتِي تسير رَاجِعَة تَارَة ومستقيمة أُخْرَى وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم وَإنَّهُ لقسم لَو تعلمُونَ عَظِيم وَقد صرح تَعَالَى بتعظيم هَذَا الْقسم وَذَلِكَ يدل على غَايَة جلالة مواقع النُّجُوم وَنِهَايَة شرفها وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى وَالسَّمَاء والطارق وَمَا أَدْرَاك مَا الطارق النَّجْم الثاقب قَالَ ابْن عَبَّاس الثاقب هُوَ زحل لِأَنَّهُ يثقب بنوره سمك السَّمَوَات السَّبع وَمِنْهَا أَنه تَعَالَى بَين ألهيته بِكَوْن هَذِه الْكَوَاكِب تَحت تَدْبيره وتسخيره فَقَالَ وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين النَّوْع الثَّانِي الْآيَات الدلة على أَن لَهَا تَأْثِيرا فِي هَذَا الْعَالم كَقَوْلِه تَعَالَى فالمدبرات أمرا وَقَوله فَالْمُقَسِّمَات أمرا قَالَ بَعضهم المُرَاد هَذِه الْكَوَاكِب

النَّوْع الثَّالِث الْآيَات الدَّالَّة على أَنه تَعَالَى وضع حركات هَذِه الأجرام على وَجه ينْتَفع بهَا فِي مصَالح هَذَا الْعَالم فَقَالَ {هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا وَقدره منَازِل لِتَعْلَمُوا عدد السنين والحساب مَا خلق الله ذَلِك إِلَّا بِالْحَقِّ} وَقَالَ {تبَارك الَّذِي جعل فِي السَّمَاء بروجا وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمرا منيرا}

النَّوْع الرَّابِع أَنه تَعَالَى حكى عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام انه تمسك بعلوم النُّجُوم فَقَالَ فنظرة نظرة فِي النُّجُوم فَقَالَ إِنِّي سقيم النَّوْع الْخَامِس أَنه قَالَ لخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض أكبر من خلق النَّاس وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ وَلَا يكون المُرَاد من هَذَا كبر الجثة لِأَن كل أحد يعلم ذَلِك فَوَجَبَ أَن يكون المُرَاد كبر الْقدر والشرف وَقَالَ تَعَالَى ويتفكرون فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا وَلَا يجوز أَن يكون المُرَاد أَنه تَعَالَى خلقهَا ليستدل بتركيبها وتأليفها على وجود الصَّانِع لِأَن هَذَا الْقدر حَاصِل فِي تركيب البقة والبعوضة وَفِي حُصُول الْحَيَاة فِي بنية الْحَيَوَانَات على وجود الصَّانِع أقوى من دلَالَة تركيب الأجرام الفلكية على وجود الصَّانِع لِأَن الْحَيَاة لَا يقدر عَلَيْهَا أحد أَلا الله أما تركيب الْأَجْسَام وتأليفها فقد يقدر على جنسه غير الله فَلَمَّا كَانَ هَذَا النَّوْع من الْحِكْمَة حَاصِلا فِي غير الأفلاك ثمَّ أَنه تَعَالَى خصها بِهَذَا التشريف وَهُوَ قَوْله {رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا} علمنَا أَن لَهُ تَعَالَى فِي تخليقها أسرارا عالية وَحكما بَالِغَة تتقاصر عقول الْبشر عَن إِدْرَاكهَا وَيقرب من هَذِه الْآيَة قَوْله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا ذَلِك ظن الَّذين كفرُوا فويل للَّذين كفرُوا من النَّار} وَلَا يُمكن أَن يكون المُرَاد أَنه تَعَالَى خلقهَا على وَجه يُمكن

<<  <  ج: ص:  >  >>