للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِدْلَال بهَا على وجود الصَّانِع الْحَكِيم لِأَن كَونهَا دَالَّة على الافتقار إِلَى الصَّانِع أَمر ثَابت لَهَا لذاتها لِأَن كل متحيز فَهُوَ مُحدث وكل مُحدث فَإِنَّهُ مفتقر إِلَى الْفَاعِل فَثَبت أَن دلَالَة المتحيزات على وجود الْفَاعِل أَمر ثَابت لَهَا لذواتها وأعيانها وَمَا كَانَ كَذَلِك لم يكن سَبَب الْفِعْل والجعل فَلم يُمكن حمل قَوْله {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا} على هَذَا الْوَجْه فَوَجَبَ حمله على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ

النَّوْع السَّادِس روى أَن عمر بن الْخيام كَانَ يقْرَأ كتاب المجسطي على استاذه فَدخل عَلَيْهِم وَاحِد من أجلاف المتفقهة فَقَالَ لَهُم مَاذَا تقرؤن فَقَالَ عمر بن الْخيام نَحن فِي تَفْسِير آيَة من كتاب الله افلم ينْظرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقهم كَيفَ بنيناها وزيناها وَمَالهَا من فروج فَنحْن نَنْظُر كَيفَ خلق السَّمَاء وَكَيف بناها وَكَيف صانها عَن الْفروج: النَّوْع السَّابِع أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما اسْتدلَّ على إِثْبَات الصَّانِع تَعَالَى بقوله ربى الَّذِي يحي وَيُمِيت قَالَ لَهُ نمْرُود أتدعى أَنه يحي وَيُمِيت بِوَاسِطَة الطبائع والعناصر أَو لَا بِوَاسِطَة هَذِه الْأَشْيَاء فان ادعيت الأول فَلذَلِك مِمَّا لَا تَجدهُ الْبَتَّةَ لِأَن كل مَا يحدث فِي هَذَا الْعَالم فَإِنَّمَا يحدث بِوَاسِطَة أَحْوَال العناصر الْأَرْبَعَة والحركات الفلكية وَإِذا ادعيت الثَّانِي فَمثل هَذَا الْإِحْيَاء والإماتة حَاصِل منى وَمن كل أحد فَإِن الرجل قد يكون سَببا لحدوث الْوَلَد لَكِن بِوَاسِطَة تمزيج الطبائع وتحريك الأجرام الفلكية وَلذَلِك قد نمت بِهَذِهِ الوسائط وَهَذَا هُوَ المُرَاد من قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن الْخصم أَنا أَحَي وأميت ثمَّ أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أجَاب عَن هَذَا السُّؤَال بقوله فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب يَعْنِي هَب أَنه سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يحدث حوادث هَذَا الْعَالم بِوَاسِطَة الحركات الفلكية لكنه تَعَالَى هُوَ المبديء للحركات الفلكية لِأَن تِلْكَ الحركات لَا بُد لَهَا من سَبَب وَلَا سَبَب لَهَا سوى قدرَة الله تَعَالَى فَثَبت أَن حوادث هَذَا الْعَالم وَأَن سلمنَا إِنَّهَا إِنَّمَا حصلت بِوَاسِطَة الحركات الفلكية لكنه لما كَانَ الْمُدبر لتِلْك الحركات بِوَاسِطَة الطبائع وحركات الأفلاك إِلَّا أَن حركات الأفلاك لَيست منا بِدَلِيل أَنا لَا نقدر على تحريكها على خلاف التحريك الإلهي وَظهر الْفرق وَهَذَا هُوَ المُرَاد من قَول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب يعْنى هَب أَن هَذِه الْحَوَادِث فِي هَذَا الْعَالم حصلت بحركة الشَّمْس من الْمشرق إِلَّا أَن هَذِه الحركات من الله لِأَن كل جسم متحرك فَلَا بُد لَهُ من محرك وَذَلِكَ المحرك لست أَنْت وَلَا أَنا فَلم لَا نحركها من الْمغرب فَثَبت أَن اعْتِمَاد إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي معرفَة ثُبُوت الصَّانِع على الدَّلَائِل الفلكية وَأَنه مَا نَازع الْخصم فِي كَون هَذِه الْحَوَادِث السفلية مرتبطة بالحركات الفلكية وَاعْلَم انك إِذا عرفت نهج الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب علمت أَن الْقُرْآن مَمْلُوء من تَعْظِيم الأجرام الفلكية وتشريف الكرات الكوكبية:

وَأما الْأَخْبَار فكثيرة مِنْهَا مَا روى عَن النَّبِي

<<  <  ج: ص:  >  >>