للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي معرفَة الْمصَالح وَلَو كَانَ هَذَا الْعلم فَاسِدا بِالْكُلِّيَّةِ لاستحال إطباق أهل الْمشرق وَالْمغْرب من أول بِنَاء الْعَالم إِلَى آخِره عَلَيْهِ

وَقَالَ بطليموس فِي بعض كتبه بعض النَّاس يعيبون هَذَا الْعلم وَذَلِكَ الْعَيْب إِنَّمَا حصل من وُجُوه الأول عجزهم عَن معرفَة حَقِيقَة مَوضِع الْكَوَاكِب بدقائقها ومراتبها وَذَلِكَ إِن الْآلَات الرصدية لَا تنفك عَن مسامحات لَا يَفِي بضبطها الْحس لأجل قلتهَا فِي الْآلَات الرصدية لَكِنَّهَا وَإِن قلت هَذِه الْآلَات إِلَّا أَنَّهَا فِي الأجرام الفلكية كَثِيرَة فَإِذا تَبَاعَدت الأرصاد حصل بِسَبَب تِلْكَ المسامحات تفَاوت عَظِيم فِي مَوَاضِع الْكَوَاكِب

الثَّانِي أَن هَذَا الْعلم علم مَبْنِيّ على معرفَة الدَّلَائِل الفلكية وَتلك الدَّلَائِل لَا تحصل إِلَّا بتمزيجات أَحْوَال الْكَوَاكِب وَهِي كَثِيرَة جدا ثمَّ أَنَّهَا مَعَ كثرتها قد تكون متعارضة وَلَا بُد فِيهَا من التَّرْجِيح وَحِينَئِذٍ يصعب على أَكثر الإفهام الْإِحَاطَة بِتِلْكَ التمزيجات الْكَثِيرَة وَبعد الْإِحَاطَة بهَا فَإِنَّهُ يصعب الترجيحات الجيدة فَلهَذَا السَّبَب لَا يتَّفق من يُحِيط بِهَذَا الْعلم كَمَا يَنْبَغِي إِلَّا الْفَرد بعد الْفَرد ثمَّ أَن الْجُهَّال يظهرون من أنفسهم كَونهم عارفين بِهَذَا الْعلم فَإِذا حكمُوا وأخطؤا ظن النَّاس أَن ذَلِك بِسَبَب أَن هَذَا الْعلم ضَعِيف الثَّالِث أَن هَذَا الْعلم لَا يَفِي بِإِدْرَاك الجزئيات على وَجه الفصيل الباهر فَمن حكم على هَذَا الْوَجْه فقد يَقع فِي الْخَطَأ فلهذه الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة تَوَجَّهت المطاعن إِلَى هَذَا الْعلم وَحكى أَن الأكاسرة كَانَ إِذا أَرَادَ أحدهم طلب الْوَلَد أَمر بإحضار المنجم ثمَّ كَانَ ذَلِك الْملك يَخْلُو بامرأته فساعة مَا يَقع المَاء فِي الرَّحِم يَأْمر خَادِمًا على الْبَاب بِضَرْب طستا يكون فِي يَده فَإِذا سمع المنجم طنين الطست أَخذ الطالع وَحكم عَلَيْهِ حَتَّى يخبر بِعَدَد السَّاعَات الَّتِي يمْكث فِي بطن أمه ثمَّ أَنه كَانَ يَأْخُذ الطالع أَيْضا عِنْد الْولادَة مرّة أُخْرَى وَيحكم فَلَا جرم كَانَت أحكامهم كَامِلَة قَوِيَّة لِأَن الطالع الْحَقِيقِيّ هُوَ طالع مسْقط النُّطْفَة فَإِن حُدُوث الْوَلَد إِنَّمَا يكون فِي ذَلِك الْوَقْت فَأَما طالع الْولادَة فَهُوَ وطالع مستعار لِأَن الْوَلَد لَا يحدث فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِنَّمَا ينْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان آخر وروى أَن فِي عهد أردشير بن بابك أَنه قَالَ فِي الْعَهْد الَّذِي كتبه لوَلَده لَوْلَا الْيَقِين بالبوار الَّذِي على رَأس ألف سنة لَكُنْت أكتب لكم كتابا أَن تمسكتم بِهِ لن تضلوا أبدا وعنى بالبوار مَا أخبرهُ المنجمون من أَنه يَزُول ملكهم عِنْد رَأس ألف سنة من ملك كستاست وَالْمرَاد مِنْهُ زَوَال دولتهم وَظُهُور دولة الْإِسْلَام وروى أَنه دخل الْمفضل ابْن سهل على الْمَأْمُون فِي الْيَوْم الَّذِي قتل فِيهِ وَأخْبرهُ أَنه يقتل فِي هَذَا الْيَوْم بَين المَاء وَالنَّار وَأنكر الْمَأْمُون ذَلِك عَلَيْهِ وقوى قلبه ثمَّ اتّفق أَنه دخل الْحمام فَقتل فِي الْحمام وَكَانَ الْأَمر كَمَا أخبر ثمَّ قَالَ وَاعْلَم إِن التجارب فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة

قلت فَهَذَا أقْصَى ماقرر بِهِ الرازى كَلَام هَؤُلَاءِ ومذهبهم وَلَقَد نثر الكنانة ونفض الجعبة واستفرغ الوسع وبذل الْجهد وروح وبهرج وقعقع وفرقع وجعجع وَلَا ترى طحنا وَجمع بَين مَا يعلم بالاضطرار أَنه كذب على

<<  <  ج: ص:  >  >>