للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُول الله وعَلى أَصْحَابه وَبَين مَا يعلم بالاضطرار أَنه خطأ فِي تَأْوِيل كَلَام الله وَمَعْرِفَة مُرَاده وَلَا يروج مَا ذكره أَلا على مفرط فِي الْجَهْل بدين الرُّسُل وَمَا جاؤا بِهِ أَو مقلد لأهل الْبَاطِل والمحال من المنجمين وأقاويلهم فَإِن جمع بَين الْأَمريْنِ شرب كَلَامه شربا وَنحن بِحَمْد الله ومعونته وتأييده نبين بطلَان استدلاله واحتجاجه فَنَقُول أما الِاسْتِدْلَال بقوله تَعَالَى {فَلَا أقسم بالخنس الْجوَار الكنس} فَإِن أَكثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد هُوَ الْكَوَاكِب الَّتِي تسير رَاجِعَة تَارَة ومستقيمة أُخْرَى وَهَذَا القَوْل قد قَالَه جمَاعَة من الْمُفَسّرين وَأَنَّهَا الْكَوَاكِب الْخَمْسَة زحل وَعُطَارِد والمشترى والمريخ والزهرة وروى عَن على وَاخْتَارَهُ ابْن مقَاتل وَابْن قُتَيْبَة قَالُوا وسماها خنسا لِأَنَّهَا فِي سَيرهَا تتقدم إِلَى جِهَة الْمشرق ثمَّ تخنس أَي تتأخر وكنوسها إستتارها فِي معربها كَمَا تكنس الظباء وتفر من الوحوش إِلَى أَن تأوي إِلَى كناسها وَهِي أكنتها وَتسَمى هَذِه الْكَوَاكِب الْمُتَحَيِّرَة لِأَنَّهَا تسير مُسْتَقِيمَة وتسير رَاجِعَة وَقيل كنوسها بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاظر وَهُوَ استتارها تَحت شُعَاع الشَّمْس وَقيل هِيَ النُّجُوم كلهَا وَهُوَ اخْتِيَار أبي عُبَيْدَة وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة وعَلى هَذَا القَوْل فَيكون بِاعْتِبَار أحوالها الثَّلَاثَة من طُلُوعهَا وغروبها وَمَا بَينهمَا فَهِيَ خنس عِنْد أول الطُّلُوع لِأَن النَّجْم مِنْهَا يرى كَأَنَّهُ يَبْدُو ويخنس وتكنس عِنْد غُرُوبهَا تشبها بالظباء الَّتِي تأوي إِلَى كناسها وَهِي جوَار مَا بَين طُلُوعهَا وغروبها خنس عِنْد الطُّلُوع جوَار بعده كنس عِنْد الْغُرُوب وَهَذَا كُله بِالنِّسْبَةِ إِلَى أفق كل بلد تكون لَهَا فِيهِ الْأَحْوَال الثَّلَاثَة وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود هِيَ بقر الْوَحْش وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس وَاخْتَارَهُ سعيد بن جُبَير وَقيل وَهُوَ أَضْعَف الْأَقْوَال الْمَلَائِكَة حَكَاهُ الْمروزِي فِي تَفْسِيره فَإِن كَانَ المُرَاد بعض هَذِه الْأَقْوَال غير مَا حَكَاهُ الرَّازِيّ فَلَا حجَّة لَهُ وَإِن كَانَ المُرَاد مَا حَكَاهُ فغايته إِن يكون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أقسم بهَا كَمَا أقسم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَالضُّحَى وَالْوَالِد وَالْفَجْر وليال عشر وَالشَّفْع وَالْوتر وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَالْيَوْم الْمَوْعُود وَشَاهد ومشهود وَالنَّفس والمرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والنازعات والناشطات والسابحات والسابقات وَمَا نبصره ومالا نبصره من كل غَائِب عَنَّا وحاضر مِمَّا فِيهِ التَّنْبِيه على كَمَال ربو بَيته وعزته وحكمته وَقدرته وتدبيره وتنوع مخلوقاته الدَّالَّة عَلَيْهِ المرشدة إِلَيْهِ بِمَا تضمنته من عجائب الصَّنْعَة وبديع الْخلقَة وَتشهد لفاطرها وبارئها بِأَنَّهُ الْوَاحِد الْأَحَد الَّذِي لَا شريك لَهُ وَأَنه الْكَامِل فِي علمه وَقدرته ومشيئته وحكمته وربو بَيته وَملكه وَأَنَّهَا مسخرة مذللة منقادة لأَمره مطيعة لمراده مِنْهَا فَفِي الْأَقْسَام بهَا تَعْظِيم لخالقها تبَارك وَتَعَالَى وتنزيه لَهُ عَمَّا نسبه إِلَيْهِ أعداؤه الجاحدون المعطلون لربو بَيته وَقدرته ومشيئتة ووحدانيته وَأَن من هَذِه عبيده ومماليكه وخلقه وصنعه وإبداعه فَكيف تجحد ربو بَيته وألهيته وَكَيف تنكر صِفَات كَمَاله ونعوت جَلَاله وَكَيف يسوغ لذِي حس سليم وفطرة

<<  <  ج: ص:  >  >>