مُسْتَقِيمَة تعطيلها عَن صانعها أَو تَعْطِيل صانعها عَن نعوت جَلَاله وأوصاف كَمَاله وَعَن أَفعاله فأقسامة بهَا أكبر دَلِيل على فَسَاد قَول نَوْعي المعطلة وَالْمُشْرِكين الَّذين جعلوها آلِهَة تعبد مَعَ دَلَائِل الْحُدُوث والعبودية والتسخير والافتقار عَلَيْهَا وَإِنَّهَا أَدِلَّة على بارئها وفاطرها وعَلى وحدانيته وَأَنه لَا تنبغي الربوبية والإلهية لَهَا بِوَجْه مَا بل لَا تنبغي أَلا لمن فطرها وبرأها كَمَا قَالَ الْقَائِل:
تَأمل سطور الكائنات فَإِنَّهَا إِلَى الْملك الْأَعْلَى إِلَيْك رسائل ... وَقد خطّ فِيهَا لَو تَأَمَّلت خطها أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل
وَقَالَ آخر:
فوا عجبا كَيفَ يَعْصِي الألهه ... أم كَيفَ يجحده جَاحد
لله فِي كل تحريكة ... وتسكينة أبدا شَاهد
وَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة ... تدل على أَنه وَاحِد
فَلم يكن إقسامه بهَا سُبْحَانَهُ مقررا بذلك علم الْأَحْكَام النجومية كَمَا يَقُوله الْكَاذِبُونَ المفترون بل مقررا لكَمَال ربوبيته ووحدانيته وتفرده بالخلق والابداع وَكَمَال حكمته وَعلمه وعظمته وَهَذَا نَظِير إخْبَاره سُبْحَانَهُ عَن خلقهَا وَعَن حِكْمَة خَالِقهَا بقوله الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الارض مِثْلهنَّ يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شَيْء قدير وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شَيْء علما وَقَوله {وَهُوَ الَّذِي خلق اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كل فِي فلك يسبحون} وَقَوله {وَمن آيَاته اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر واسجدوا لله الَّذِي خَلقهنَّ إِن كُنْتُم إِيَّاه تَعْبدُونَ} وَقَوله إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يغشى اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين وَقَوله {وسخر لكم اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يعْقلُونَ} وَهَؤُلَاء الْمُشْركُونَ يعظمون الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب تَعْظِيمًا يَسْجُدُونَ لَهَا ويتذللون لَهَا ويسبحونها تسابيح مَعْرُوفَة فِي كتبهمْ ودعوات لَا يَنْبَغِي أَن يدعى بهَا إِلَّا خَالِقهَا وفاطرها وَحده وَيَقُول بَعضهم فِي كتاب مصحف الشَّمْس مصحف الْقَمَر مصحف زحل مصحف عُطَارِد بَعضهم يَقُول تَسْبِيحَة الشَّمْس تَسْبِيحَة الْقَمَر تَسْبِيحَة عُطَارِد تَسْبِيحَة زحل وَلَا يتحاشى من ذَلِك وَبَعْضهمْ يَقُول دَعْوَة الشَّمْس دَعْوَة الْقَمَر دَعْوَة عُطَارِد دَعْوَة زحل وَبَعْضهمْ يَقُول هيكل الشَّمْس وَالْقَمَر وَعُطَارِد وَأَصله أَن الهيكل هُوَ الْبَيْت الْمَبْنِيّ لِلْعِبَادَةِ وَكَانَ الصابئون يبنون لكل كَوْكَب من هَذِه الْكَوَاكِب هيكلا ويصورون فِيهِ ذَلِك الْكَوْكَب ويتخذونه لعبادته وتعظيمه ودعائه ويزعمون أَن روحانية ذَلِك الْكَوْكَب تتنزل عَلَيْهِم فتخاطبهم وتقضي حوائجهم وشاهدوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute