للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِك مِنْهَا وعاينوه وَتلك الروحانية هِيَ الشَّيَاطِين تنزلت عَلَيْهِم وخاطبتهم وقضت حوائجهم ثمَّ لما رام هَذَا الْفِعْل من تستر مِنْهُم بِالْإِسْلَامِ وَلم يُمكنهُ أَن يَبْنِي لَهَا بُيُوتًا يَعْبُدهَا فِيهِ كتب لَهَا دعوات وتسبيحات وأذكارا سَمَّاهَا هيا كل ثمَّ من اشْتَدَّ تستره وخوفه أخرجهَا فِي قالب حُرُوف وكلمات لَا تفهم لِئَلَّا يُبَادر انكارها وردهَا وَمن لم يخف مِنْهُم صرح بِتِلْكَ الدَّعْوَات والتسبيحات والاذكار بِلِسَان من يخاطبه بِالْفَارِسِيَّةِ والعربية وَغَيرهَا فَلَمَّا أنكر عَلَيْهِ أهل الْإِيمَان قَالَ إِنَّمَا ذكرت هَذَا معرفَة لهَذَا الْعلم وإحاطة بِهِ لَا اعتقادا لَهُ وَلَا ترغيبا فِيهِ وَقد وصف ذَلِك الْعلم وَقَررهُ أتم تَقْرِير وَحمله هَدِيَّة إِلَى ملكه فأثابه عَلَيْهِ جملَة من الذَّهَب يُقَال أَنه ألف دِينَار وَصَارَ ذَلِك الْكتاب إِمَامًا لأهل هَذَا الْفَنّ اليه يلجئون وَعَلِيهِ يعولون وَبِه يحتجون وَيَقُولُونَ شهرة مصنفة وجلالته وَعلمه وفضله لَا تنكر وَلَا تجحد وَفِي هَذَا الْكتاب من مُخَاطبَة الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب بِالْخِطَابِ الَّذِي لَا يَلِيق إِلَّا بِاللَّه عز وَجل وَلَا يَنْبَغِي لَاحَدَّ سواهُ وَمن الخضوع والذل وَالْعِبَادَة الَّتِي لم يكن عباد الْأَصْنَام يبلغونها من آلِهَتهم فبالله أَتجْعَلُ قَوْله تَعَالَى فَلَا أقسم بالخنس الجوارى الكنس دَلِيلا على هَذَا ومقدمة لَهُ فِي أول الْكتاب فان كَانَ الإقسام بهَا دَلِيلا على تأثيراتها فِي الْعَالم كَمَا يَقُولُونَ فَيَنْبَغِي أَن يكون سَائِر مَا أقسم بِهِ كَذَلِك وان لم يكن الْقسم دَلِيلا بَطل الِاسْتِدْلَال بِهِ وَأما قَوْله تَعَالَى {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} فَفِيهَا قَولَانِ

أَحدهمَا أَنَّهَا النُّجُوم الْمَعْرُوفَة وعَلى هَذَا فَفِي مواقعها أَقْوَال أَحدهَا انه انكدارها وانتشارها يَوْم الْقِيَامَة وَهَذَا قَول الْحسن والمنجمون يكذبُون بِهَذَا وَلَا يقرونَ بِهِ وَالثَّانِي مواقعها منازلها قَالَه عَطاء وَقَتَادَة وَالثَّالِث انه مغاربها وَالرَّابِع انه مواقها عِنْد طُلُوعهَا وغروبها حَكَاهُ ابْن عَطِيَّة عَن مُجَاهِد وَأبي عُبَيْدَة

وَالْخَامِس أَن مواقعها موَاضعهَا من السَّمَاء وَهَذَا الذى حَكَاهُ ابْن الجوزى عَن قَتَادَة حَكَاهُ ابْن عَطِيَّة عَنهُ فَيحْتَمل أَن يَكُونَا وَاحِدًا وان يَكُونَا قَوْلَيْنِ

السَّادِس أَن مواقعها انقضاضها أثر العفريت وَقت الرجوم حَكَاهُ ابْن عَطِيَّة ايضا وَلم يذكر أَبُو الْفرج ابْن الجوزى سوى الثَّلَاثَة الأول وَالْقَوْل الثَّانِي أَن مواقع النُّجُوم هى منَازِل الْقُرْآن ونجومه الَّتِى نزلت على النَّبِي فى مُدَّة ثَلَاث وَعشْرين سنة قَالَ ابْن عَطِيَّة وَيُؤَيّد هَذَا القَوْل عود الضَّمِير على الْقُرْآن فِي قَوْله {إِنَّه لقرآن كريم فِي كتاب مَكْنُون} وَذَلِكَ ان ذكره لم يتَقَدَّم الا على هَذَا التَّأْوِيل وَمن لَا يتَأَوَّل هَذَا التَّأْوِيل يَقُول ان الضَّمِير يعود على الْقُرْآن وان لم يتَقَدَّم ذكره لشهرة الْأَمر ووضوح الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} وكل من عَلَيْهَا فان وَغير ذَلِك قلت وَيُؤَيّد القَوْل الأول انه أعَاد الضَّمِير بِلَفْظ الْإِفْرَاد والتذكير ومواقع النُّجُوم جَمِيع فَلَو كَانَ الضَّمِير عَائِدًا عَلَيْهَا لقَالَ انها لقرآن كريم الا لِأَن يُقَال مواقع النُّجُوم دلّ على الْقُرْآن فَأَعَادَ الضَّمِير

<<  <  ج: ص:  >  >>