للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَن أظلم الظُّلم هُوَ الشّرك ومخلوقات الرب تَعَالَى كلهَا شاهدة لَهُ بِأَنَّهُ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَإِن كل معبود بَاطِل سواهُ وكل مَخْلُوق شَاهد بِهَذَا الْحق إِمَّا شَهَادَة نطق وَإِمَّا شَهَادَة حَال وَإِن ظهر بِفِعْلِهِ وَقَوله خلَافهَا كالمشرك الَّذِي يشْهد حَال خلقه وإبداعه وصنعه لخالقه وفاطره أَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَإِن عبد غَيره وَزعم أَن لَهُ شَرِيكا فشاهد حَاله مكذب لَهُ مُبْطل لشهادة فعله وَقَالَهُ

وَأما قَوْله أَنه لَا يُمكن أَن يُقَال المُرَاد أَنه خلقهَا على وَجه يُمكن الِاسْتِدْلَال بهَا على الصَّانِع الْحَكِيم إِلَى آخر كَلَامه

فَيُقَال لَهُ إِذا كَانَت دلالتها على صانعها أمرا ثَابتا لَهَا لذواتها وذواتها إِنَّمَا وجدت بإيجاده وتكوينه كَانَت دلالتها بِسَبَب فعل الْفَاعِل الْمُخْتَار لَهَا وَلَكِن هَذَا بِنَاء مِنْهُ على أصل فَاسد يكرره فِي كتبه وَهُوَ ان الذوات لَيست بمجعولة وَلَا تتَعَلَّق بِفعل الْفَاعِل وَهَذَا مِمَّا أنكرهُ عَلَيْهِ أهل الْعلم وَالْإِيمَان وَقَالُوا أَن كَونهَا ذواتا وَإِن وجودهَا وأوصافها وكل مَا ينْسب إِلَيْهَا هُوَ بِفعل الْفَاعِل فكونها ذواتا وَمَا يتبع ذَلِك من دلالتها على الصَّانِع كُله بِجعْل الْجَاعِل فَإِنَّهُ لما جعلهَا على هَذِه الصّفة مستلزمة لدلالتها عَلَيْهِ كَانَت دلالتها عَلَيْهِ بجعله فَإِن قيل لَو قدر عدم الْجَاعِل لَهَا لم يرْتَفع كَونهَا ذواتا وَلَو كَانَت ذواتا بجعله لارتفع كَونهَا ذواتا بِتَقْدِير ارتفاعه

قيل مَا تعنى بِكَوْنِهَا ذواتا وَمَا هيات اتعنى بِهِ تحقق ذَلِك فِي الْخَارِج أَو فِي الذِّهْن أَو أَعم مِنْهَا فَإِن عنيت الأول فَلَا ريب فِي بطلَان كَونهَا ذَوَات وَمَا هيات على تَقْدِير ارْتِفَاع الْجَاعِل وَإِن عنيت الثانى فالصور الذهنية مجعولة لَهُ أَيْضا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي علم فإوجد الْخَلَائق الذهنية فِي الْعلم كَمَا أَنه الَّذِي خلق فأوجد الْحَقَائِق الذهنية فِي الْعين فَهُوَ الأكرم الَّذِي خلق وَعلم فَمَا فِي الذِّهْن بتعليمه وَمَا فِي الْخَارِج بخلقه وَإِن عنيت الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْخَارِج والذهن وَهُوَ مُسَمّى كَونهَا ذَوَات وَمَا هيات بِقطع النّظر عَن تَقْيِيده بالذهن أَو الْخَارِج قيل لَك هَذِه لَيست بِشَيْء الْبَتَّةَ فَإِن الشَّيْء إِنَّمَا يكون شَيْئا فِي الْخَارِج أَو فِي الذِّهْن وَالْعلم وَمَا لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة خارجية وَلَا ذهنية فَلَيْسَ بِشَيْء بل هُوَ عدم صرف وَلَا ريب ان الْعَدَم لَيْسَ بِفعل فَاعل وَلَا جعل جَاعل

فَإِن قيل هِيَ لَا تنفك عَن أحد الوجودين أما الذهْنِي واما الْخَارِجِي وَلَكِن نَحن أخذناها مُجَرّدَة عَن الوجودين ونظرنا إِلَيْهَا من هَذِه الْحَيْثِيَّة وَهَذَا الِاعْتِبَار ثمَّ حكمنَا عَلَيْهَا بِقطع النّظر عَن تقيدها بذهن أَو خَارج قيل الحكم عَلَيْهَا بِشَيْء مَا يسْتَلْزم تصورها ليمكن الحكم عَلَيْهَا وتصورها مَعَ أَخذهَا مُجَرّدَة عَن الْوُجُود والذهن محَال فَإِن قيل مُسلم أَن ذَلِك محَال وَلَكِن إِذا أخذناه مَعَ وجودهَا الذهْنِي أَو الْخَارِجِي فَهُنَا أَمْرَانِ حَقِيقَتهَا وماهيتها وَالثَّانِي وجودهَا الذهْنِي أَو الْخَارِجِي فَنحْن أخذناها مَوْجُودَة وحكمنا عَلَيْهَا مُجَرّدَة فَالْحكم على جُزْء هَذَا الْمَأْخُوذ الْمَنْصُور

قيل هَذَا الْقدر الْمَأْخُوذ عدم مَحْض كَمَا تقدم والعدم لَا يكون بِجعْل جَاعل ونكتة الْمَسْأَلَة أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>