للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِبَادَات وَللَّه تَعَالَى فِي أَيَّام دهره أَوْقَات يحدث فِيهَا مَا يَشَاء من الْبلَاء والنعماء وَيَقْضِي من الْأَسْبَاب بِمَا يدْفع مُوجب تِلْكَ الْأَسْبَاب لمن قَامَ بِهِ أَو يقلله أَو يخففه فَمن فزع إِلَى تِلْكَ الْأَسْبَاب أَو بَعْضهَا انْدفع عَنهُ الشَّرّ الذى جعل الله الْكُسُوف سَببا لَهُ أَو بعضه وَلِهَذَا قل مَا يسلم أَطْرَاف الأَرْض حَيْثُ يخفي الْإِيمَان وَمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل فِيهَا من شَرّ عَظِيم يحصل بِسَبَب الْكُسُوف وتسلم مِنْهُ الْأَمَاكِن الَّتِى يظْهر فِيهَا نور النُّبُوَّة وَالْقِيَام بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل أَو يقل فِيهَا جدا وَلما كسفت الشَّمْس على عهد النبى قَامَ فَزعًا مسرعا يجز رِدَاءَهُ ونادى فِي النَّاس الصَّلَاة جَامِعَة وخطبهم بِتِلْكَ الْخطْبَة البليغة وَأخْبر أَنه لم ير كيومه ذَلِك فِي الْخَيْر وَالشَّر وَأمرهمْ عِنْد حُصُول مثل تِلْكَ الْحَالة بالعتاقة وَالصَّدَََقَة وَالصَّلَاة وَالتَّوْبَة فصلوات الله وَسَلَامه على أعلم الْخلق بِاللَّه وبأمره وشأنه وتعريفه أُمُور مخلوقاته وتدبيره وأنصحهم للْأمة وَمن دعاهم إِلَى مَا فِيهِ سعادتهم فِي معاشهم ومعادهم ونهاهم عَمَّا فِيهِ هلاكهم فِي معاشهم ومعادهم وَلَقَد خفى مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل على طائفتين هلك بسببهما من شَاءَ الله وَنَجَا من شركهما من سبقت لَهُ الْعِنَايَة من الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وقفت مَعَ مَا شاهدته وعلمته من أُمُور هَذِه الْأَسْبَاب والمسببات وإحالة الْأَمر عَلَيْهَا وظنت أَنه لَيْسَ لَهَا شىء فكفرت بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وجحدت المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوات وَغَيرهَا مَا انْتهى إِلَيْهِ علومها ووقفت عِنْده أَقْدَامهَا من الْعلم بِظَاهِر من الْمَخْلُوقَات وَأَحْوَالهَا وَجَاء نَاس جهال رَأَوْهُمْ قد أَصَابُوا فِي بَعْضهَا أَو كثير مِنْهَا فَقَالُوا كل مَا قَالَه هَؤُلَاءِ فَهُوَ صَوَاب لما ظهر لنا من صوابهم وانضاف إِلَى ذَلِك أَن أُولَئِكَ لما وقفُوا على الصَّوَاب فِيمَا أدتهم إِلَيْهِ أفكارهم من الرياضيات وَبَعض الطبيعيات وثقوا بعقولهم وفرحوا بِمَا عِنْدهم من الْعلم وظنوا أَن سَائِر مَا خدمته أفكارهم من الْعلم بِاللَّه وشأنه وعظمته هُوَ كَمَا أوقعهم عَلَيْهِ فكرهم وَحكمه حكم مَا شهد بِهِ الْحس من الطبيعيات والرياضيات فتفاقم الشَّرّ وعظمت الْمُصِيبَة وَجحد الله وَصِفَاته وخلقه للْعَالم وإعادته لَهُ وَجحد كَلَامه وَرُسُله وَدينه وَرَأى كثير من هَؤُلَاءِ انهم هم خَواص النَّوْع الإنساني وَأهل الْأَلْبَاب وَأَن ماعداهم هم القشور وَأَن الرُّسُل إِنَّمَا قَامُوا بسياستهم لِئَلَّا يَكُونُوا كَالْبَهَائِمِ فهم بِمَنْزِلَة قُم المارستان وَأما أهل الْعُقُول والرياضيات والأفكار فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الرُّسُل بل هم يعلمُونَ الرُّسُل مَا يصنعونه للدعوة الإنسانية كَمَا تَجِد فِي كتبهمْ وينبغى للرسول أَن يفعل كَذَا كَذَا وَالْمَقْصُود أَن هَؤُلَاءِ لما أوقفتهم أفكارهم على الْعلم بِمَا خفى على كثير من اسرار الْمَخْلُوقَات وطبائعها وأسبابها ذَهَبُوا بأفكارهم وعقولهم وتجاوزوا مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وظنوا أَن إصابتهم فِي الْجَمِيع سَوَاء وَصَارَ الْمُقَلّد لَهُم فِي كفرهم إِذا خطر لَهُ إِشْكَال على مَذْهَبهم أودهمه مَا لَا حِيلَة لَهُ فِي دَفعه من تناقضهم وَفَسَاد أصولهم يحسن الظَّن بهم وَيَقُول لاشك أَن علومهم مُشْتَمِلَة على حِكْمَة

<<  <  ج: ص:  >  >>