للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْوَاب الوساوس فِيمَا يسمعهُ وَيَرَاهُ ويعطاه وَيفتح لَهُ الشَّيْطَان فِيهَا من المناسبات الْبَعِيدَة والقريبة فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى مَا يفْسد عَلَيْهِ دينه وينكد عَلَيْهِ عيشه فَإِذا سمع سفر جلا أَو أهْدى إِلَيْهِ تطير بِهِ وَقَالَ سفر وجلاء وَإِذا رأى ياسمينا أَو سمع اسْمه تطير بِهِ وَقَالَ يأس ومين وَإِذا رأى سوسنة أَو سَمعهَا قَالَ سوء يبْقى سنه وَإِذا خرج من دَاره فَاسْتَقْبلهُ أَعور أَو أشل أَو أعمى أَو صَاحب آفَة تطير بِهِ وتشاءم بيومه ويحكى عَن بعض الْوُلَاة أَنه خرج فِي بعض الْأَيَّام لبَعض مهماته فَاسْتَقْبلهُ رجل أَعور فتطير بِهِ وَأمر بِهِ إِلَى الْحَبْس فَلَمَّا رَجَعَ من مهمه وَلم يلق شرا أَمر باطلاقه فَقَالَ لَهُ سَأَلتك بِاللَّه مَا كَانَ جرمى الذى حبستنى لأَجله فَقَالَ لَهُ الوالى لم يكن لَك عندنَا جرم وَلَكِن تطيرت بك لما رَأَيْتُك فَقَالَ فَمَا أصبت فِي يَوْمك برؤيتى فَقَالَ مِمَّا لم ألق إِلَّا خيرا فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير أَنا خرجت من منزلى فرايتك فَلَقِيت فِي يومى الشَّرّ وَالْحَبْس وَأَنت رأيتنى فَلَقِيت فِي يَوْمك الْخَيْر وَالسُّرُور فَمن أشأمنا والطيرة بِمن كَانَت فاستحيا مِنْهُ الوالى وَوَصله

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الزجاجى لم أر أَشد تطيرا من ابْن الرومى الشَّاعِر وَكَانَ قد تجَاوز الْحَد فِي ذَلِك فعاتبته يَوْمًا على ذَلِك فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم الفأل لِسَان الزَّمَان والطيرة عنوان الْحدثَان وَهَذَا جَوَاب من استحكمت علته فعجز عَنْهَا وَهُوَ أَيْضا بِمَنْزِلَة من قد غلبته الوساوس فِي الطَّهَارَة فَلَا يلْتَفت إِلَى علم وَلَا إِلَى نَاصح وَهَذِه حَال من تقطعت بِهِ أَسبَاب التَّوَكُّل وتقلص عَنهُ لِبَاسه بل تعرى مِنْهُ وَمن كَانَ هَكَذَا فالبلايا إِلَيْهِ أسْرع والمصائب بِهِ أعلق والمحن لَهُ ألزم بِمَنْزِلَة صَاحب الدمل والقرحة الذى يهدى إِلَى قُرْحَته كل مؤذ وكل مصادم فَلَا يكَاد يصدم من جسده اَوْ يصاب غَيرهَا والمتطير مُتْعب الْقلب منكد الصَّدْر كاسف البال سيء الْخلق يتخيل من كل مَا يرَاهُ أَو يسمعهُ أَشد النَّاس خوفًا وأنكدهم عَيْشًا وأضيق النَّاس صَدرا وأحزنهم قلبا كثير الِاحْتِرَاز والمراعاة لما لَا يضرّهُ وَلَا يَنْفَعهُ وَكم قد حرم نَفسه بذلك من حَظّ ومنعها من رزق وَقطع عَلَيْهَا من فَائِدَة وَيَكْفِيك من ذَلِك قصَّة النَّابِغَة مَعَ زِيَاد بن سيار الفزارى حِين تجهز إِلَى الْغَزْو فَلَمَّا أَرَادَ الرحيل نظر النَّابِغَة إِلَى جَرَادَة قد سَقَطت عَلَيْهِ فَقَالَ جَرَادَة تجرد وَذَات ألوان عَزِيز من خرج من هَذَا الْوَجْه وَنفذ زِيَاد لوجهه وَلم يتطير فَلَمَّا رَجَعَ زِيَاد سالما غانما أنشأ يَقُول ٠

تخير طيرة فِيهَا زِيَاد ... ليخبره وَمَا فِيهَا خَبِير

أَقَامَ كَانَ لُقْمَان بن عَاد ... أَشَارَ لَهُ بِحِكْمَتِهِ مشير

تعلم أَنه لَا طير إِلَّا ... على متطير وَهُوَ الثبور

بلَى شىء يُوَافق بعض شَيْء ... أحيايينا وباطله كثير

وَلم يحك الله التطير إِلَّا عَن أَعدَاء الرُّسُل كَمَا قَالُوا لرسلهم انا تطيرنا بكم لَئِن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عَذَاب أَلِيم قَالُوا طائركم مَعكُمْ أئن ذكرْتُمْ بل أَنْتُم قوم مسرفون

<<  <  ج: ص:  >  >>