وَكَذَلِكَ حكى الله سُبْحَانَهُ عَن قوم فِرْعَوْن فَقَالَ فَإِذا جَاءَتْهُم الْحَسَنَة قَالُوا لنا هَذِه وَأَن تصبهم سَيِّئَة يطيروا بمُوسَى وَمن مَعَه أَلا إِنَّمَا طائرهم عِنْد الله حَتَّى إِذا أَصَابَهُم الخصب وَالسعَة والعافية قَالُوا لنا هَذِه أى نَحن الجديرون الحقيقون بِهِ وَنحن أَهله وَإِن أَصَابَهُم بلَاء وضيق وقحط وَنَحْوه قَالُوا هَذَا بِسَبَب مُوسَى وَأَصْحَابه أصبْنَا بشؤمهم ونفض علينا غبارهم كَمَا يَقُوله المتطير لمن يتطير بِهِ فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن طائرهم عِنْده كَمَا قَالَ تَعَالَى عَن أَعدَاء رَسُوله وَإِن تصبهم حَسَنَة يَقُولُوا هَذِه من عِنْد الله وَأَن تصبهم سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِه من عنْدك فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَوَاضِع حكى فِيهَا التطير عَن أعدائه وَأجَاب سُبْحَانَهُ عَن تطيرهم بمُوسَى وَقَومه بِأَن طائرهم عِنْد الله لَا بِسَبَب مُوسَى وَأجَاب عَن تطير أَعدَاء رَسُول الله بقوله قل كل من عِنْد الله وَأجَاب عَن الرُّسُل بقوله إِلَّا طائركم مَعكُمْ وَأما قَوْله أَلا إِنَّمَا طائركم عِنْد الله فَقَالَ ابْن عَبَّاس طائرهم مَا قضى عَلَيْهِم وَقدر لَهُم وَفِي رِوَايَة شؤمهم عِنْد الله وَمن قبله أى إِنَّمَا جَاءَهُم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته وَرُسُله وَقَالَ أَيْضا ان الأزراق والأقدار تتبعكم وَهَذِه كَقَوْلِه تَعَالَى وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج أى مَا يطير لَهُ من الْخَيْر وَالشَّر فَهُوَ لَازم لَهُ فِي عُنُقه وَالْعرب تَقول جرى لَهُ الطَّائِر بِكَذَا من الْخَيْر وَالشَّر قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الطَّائِر عِنْدهم الْحَظ وَهُوَ الذى تسميه الْعَامَّة البخت يَقُولُونَ هَذَا يطير لفُلَان أى يحصل لَهُ قلت وَمِنْه الحَدِيث فطار لنا عُثْمَان بن مَظْعُون أى أَصَابَنَا بِالْقُرْعَةِ لما اقترع الْأَنْصَار على نزُول الْمُهَاجِرين عَلَيْهِم وَفِي حَدِيث رويفع ابْن ثَابت حَتَّى أَن أَحَدنَا ليطير لَهُ النصل والريش وَالْآخر الْقدح أى يحصل لَهُ بِالشّركَةِ فِي الْغَنِيمَة وَقيل فِي قَوْله تَعَالَى وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه أَن الطَّائِر هَهُنَا هُوَ الْعَمَل قَالَه الْفراء وَهُوَ يتَضَمَّن الرَّد على نَفَاهُ الْقدر وَخص الْعُنُق بذلك من بَين سَائِر أَجزَاء الْبدن لِأَنَّهَا مَحل الطوق الَّذِي يطوقه الْإِنْسَان فِي عُنُقه فَلَا يَسْتَطِيع فكاكه وَمن هَذَا يُقَال إِثْم هَذَا فِي عُنُقك وَافْعل كَذَا واثمه فِي عنقِي وَالْعرب تَقول طوقها طوق الْحَمَامَة وَهَذَا ربقة فِي رقبته وَعَن الْحسن بن آدم لتنظر لَك صحيفَة إِذا بعثت قلدتها فِي عُنُقك فخصوا الْعُنُق بذلك لِأَنَّهُ مَوضِع القلادة والتميمة واستعمالهم التَّعَالِيق فِيهَا كثير كَمَا خصت الأيدى بِالذكر فِي نَحْو بِمَا كسبت أيدكم بِمَا قدمت يداك وَنَحْوه وَقيل الْمَعْنى أَن الشؤم الْعَظِيم هُوَ الَّذِي لَهُم عِنْد الله من عَذَاب النَّار وَهُوَ الَّذِي أَصَابَهُم فِي الدُّنْيَا وَقيل الْمَعْنى أَن سَبَب شؤمهم عِنْد الله وَهُوَ عَمَلهم الْمَكْتُوب عِنْده الَّذِي يجرى عَلَيْهِ مَا يسوؤهم ويعاقبون عَلَيْهِم بعد مَوْتهمْ بِمَا وعدهم الله وَلَا طَائِر أشأم من هَذَا وَقيل حظهم ونصيبهم وَهَذَا لَا يُنَاقض قَول الرُّسُل طائركم مَعكُمْ أى حظكم وَمَا نالكم من خير وَشر مَعكُمْ بِسَبَب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين لَيْسَ هُوَ من أجلنا وَلَا بسببنا بل ببغيكم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute