للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذبهم فَأمنُوا بهم وصدقوهم وتركوهم من الْعُبُودِيَّة وَكَانَت وسطا فِي الْقدر بَين الجبرية الَّذين ينفون أَن يكون للْعَبد فعل أَو كسب أَو اخْتِيَار الْبَتَّةَ بل هُوَ مجبور متهور لَا اخْتِيَار لَهُ وَلَا فعل وَبَين الْقَدَرِيَّة النفاة الَّذين يجعلونه مُسْتقِلّا بِفِعْلِهِ وَلَا يدْخل فعله تَحت مَقْدُور الرب تَعَالَى وَلَا هُوَ وَاقع بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وَقدرته فأثبتوا لَهُ فعلا وكسبا واختيارا حَقِيقَة وَهُوَ مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب وَهُوَ مَعَ ذَلِك وَاقع بقدرة الله ومشيئته فَمَا شَاءَ الله من ذَلِك كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَلَا يَتَحَرَّك ذرة إِلَّا بمشيئته وإرادته والعباد أَضْعَف وأعجز أَن يَفْعَلُوا مَا لم يشأه الله لَا قُوَّة لَهُ وَلَا قدرَة عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ هم وسط فِي المطاعم والمشارب بَين الْيَهُود الَّذين حرمت عَلَيْهِم الطَّيِّبَات عُقُوبَة لَهُم وَبَين النَّصَارَى الَّذين يسْتَحلُّونَ الْخَبَائِث فأحل الله لهَذِهِ الْأمة الْوسط الطَّيِّبَات وَحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث وَكَذَلِكَ لَا تَجِد أهل الْحق دَائِما إِلَّا وسطا بَين طرفِي الْبَاطِل وَأهل السّنة وسط فِي النَّحْل كَمَا أَن الْمُسلمين وسط فِي الْملَل وَكَذَلِكَ مَا نَحن فِيهِ من هَذَا الْبَاب فَإِنَّهُم وسط بَين النفاة الَّذين ينفون الْأَسْبَاب جملَة وَيمْنَعُونَ ارتباطها بالمسببات وتأثيرها بهَا ويسدون هَذَا الْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ ويضطربون فِيمَا ورد من ذَلِك فيقابلون بالتكذيب مِنْهُ مَا يُمكنهُم تَكْذِيبه ويحيلون على الِاتِّفَاق والمصادقة مَالا قبل لَهُم بِدَفْعِهِ من غير أَن يكون لشَيْء من هَذِه الْأُمُور مدْخل فِي التَّأْثِير أَو تعلق بالسببية الْبَتَّةَ وَرُبمَا يَقُولُونَ أَن أَكثر ذَلِك مُجَرّد خيالات وأوهام فِي النُّفُوس تنفعل عَنْهَا النُّفُوس كانفعال أَرْبَاب الخيالات والامراض والأوهام وَلَيْسَ عِنْدهم وَرَاء ذَلِك شَيْء وَهَذَا مَسْلَك نفاة الْأَسْبَاب وارتباط المسببات بهَا وَهَذَا جَوَاب كثير من الْمُتَكَلِّمين والمسلك الثَّانِي مَسْلَك المثبتين لهَذِهِ الْأُمُور والمعتقدين لَهَا الذاهبين إِلَيْهَا وَهِي عِنْدهم أقوى من الْأَسْبَاب الحسية أَو فِي درجتها وَلَا يلتفتون إِلَى قدح قَادِح فِيهَا والقدح فِيهَا عِنْدهم من جنس الْقدح فِي الحسيات والضروريات وَنحن لَا نسلك سَبِيل هَؤُلَاءِ وَلَا سَبِيل هَؤُلَاءِ بل نسلك سَبِيل التَّوَسُّط والإنصاف ونجانب طَرِيق الْجور والإنحراف فَلَا نبطل الشَّرْع بِالْقدرِ وَلَا نكذب بِالْقدرِ لأجل الشَّرْع بل نؤمن بالمقدور ونصدق الشَّرْع فنؤمن بِقَضَاء الله وَقدره وشرعه وَأمره وَلَا نعارض بَينهمَا فنبطل الْأَسْبَاب المقدورة أَو نقدح فِي الشَّرِيعَة الْمنزلَة كَمَا فعله الطائفتان المنحرفتان فإحداهما بطلت مَا قدره الله من الْأَسْبَاب بِمَا فهمته من الشَّرْع وَهَذَا من تَقْصِيرهَا فِي الشَّرْع وَالْقدر وَالْأُخْرَى توصلت إِلَى الْقدح فِي الشَّرْع وإبطاله بِمَا تشاهده من تَأْثِير الْأَسْبَاب وإرتباطها بمسبباتها لما ظنت أَن الشَّرْع نفاها وكذبت بالشارع فالطائفتان جانيتان على الشَّرْع لَكِن الموفقون المهديون آمنُوا بِقدر الله وشرعه وَلم يعارضوا أَحدهمَا بِالْآخرِ بل صدر مِنْهُمَا الآخر عِنْدهم وَقَررهُ فَكَانَ الْأَمر تَفْصِيلًا للقدر وكاشفا عَنهُ وحاكما عَلَيْهِ والا أصل لِلْأَمْرِ ومنفذ لَهُ وَشَاهد لَهُ ومصدق لَهُ فلولا الْقدر لما وجد الْأَمر وَلَا تحقق

<<  <  ج: ص:  >  >>