للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على سَاقه وَلَوْلَا الْأَمر لما تميز الْقدر وَلَا تبينت مراتبه وتصاريفه فالقدر مظهر لِلْأَمْرِ وَالْأَمر تَفْصِيل لَهُ وَالله سُبْحَانَهُ لَهُ الْخلق وَالْأَمر فَلَا يكون إِلَّا خَالِقًا آمرا فَأمره تصريف لقدره وَقدره منفذ لأَمره وَمن أبْصر هَذَا حق الْبَصَر وانفتحت لَهُ عين قلبه تبين لَهُ سر ارتباط الْأَسْبَاب بمسبباتها وجريانها فِيهَا وَأَن الْقدح فِيهَا وإبطالها إبِْطَال لِلْأَمْرِ وَتبين لَهُ أَن كَمَال التَّوْحِيد بِإِثْبَات الْأَسْبَاب لَا أَن إِثْبَاتهَا نقض للتوحيد كَمَا زعم منكروها حَيْثُ جعلُوا إِبْطَالهَا من لَوَازِم التَّوْحِيد فجنوا على التَّوْحِيد وَالشَّرْع والتزموا تَكْذِيب الْحس وَالْعقل ووقعوا فِي أَنْوَاع من المكابرة سلطت عَلَيْهِم أَعدَاء الشَّرِيعَة وأوجبت لَهُم إِن أساؤا بهَا الظَّن وتنقصوها وَزَعَمُوا أَنَّهَا خطابية وإقناعية وجدلية لابرهانية فَعظم الْخطب وتفاقم الْأَمر واشتدت البلية بالطائفتين وَقد قيل أَن الْعَدو الْعَاقِل خير من الصّديق الْجَاهِل وَنحن بِحَمْد الله نبين الْأَمر فِي ذَلِك ونوضح أَيْضا مَا يتَبَيَّن بِهِ تَصْدِيق كل من الْأَمريْنِ الآخر وشهادته لَهُ وتزكيته لَهُ ونبين ارتباط كل من الْأَمريْنِ وَعدم انفكاكه عَنهُ فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق ٠٠٠

أما مَا ذكرْتُمْ من أَن النَّبِي كَانَ يُعجبهُ الفأل الْحسن فَلَا ريب فِي ثُبُوت ذَلِك عَنهُ وَقد قرن ذَلِك بِإِبْطَال الطَّيرَة كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد بن عبد الله عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم لاطيرة وَخَيرهَا الفأل قَالُوا وَمَا الفأل يَا رَسُول الله قَالَ الْكَلِمَة الصَّالِحَة يسْمعهَا أحدكُم فابتدأهم النَّبِي بِإِزَالَة الشُّبْهَة وأبطال الطَّيرَة لِئَلَّا يتوهموها عَلَيْهِ فِي إعجابه بالفأل الصَّالح وَلَيْسَ فِي الْإِعْجَاب بالفأل ومحبته شىء من الشّرك بل ذَلِك إبانة عَن مُقْتَضى الطبيعة وَمُوجب الْفطْرَة الإنسانية الَّتِي تميل إِلَى مايلائمها ويوافقها مِمَّا ينفعها كَمَا أخْبرهُم أَنه حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا النِّسَاء وَالطّيب ٠٠

وَفِي بعض الْآثَار أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُعجبهُ الفاغية وهى نور الْحِنَّاء وَكَانَ يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل وَكَانَ يحب الشَّرَاب الْبَارِد الحلو وَيُحب حسن الصَّوْت بِالْقُرْآنِ وَالْأَذَان ويستمع إِلَيْهِ وَيُحب معالي الْأَخْلَاق وَمَكَارِم الشيم وَبِالْجُمْلَةِ يحب كل كَمَال وَخير وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِمَا وَالله سُبْحَانَهُ قد جعل فِي غرائز النَّاس الْإِعْجَاب بِسَمَاع الإسم الْحسن ومحبته وميل نُفُوسهم إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ جعل فِيهَا الإرتياح والاستبشار وَالسُّرُور باسم السَّلَام والفلاح والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز وَالظفر وَالْغنم وَالرِّبْح وَالطّيب ونيل الأمنية والفرح والغوث والعز والغنى وأمثالها فَإِذا قرعت هَذِه الْأَسْمَاء الأسماع استبشرت بهَا النَّفس وانشرح لَهَا الصَّدْر وقوى بهَا الْقلب وَإِذا سَمِعت أضدادها أوجب لَهَا ضد هَذِه الْحَال فأحزنها ذَلِك وأثار لَهَا خوفًا وطيرة وأنكماشا وانقباضا عَمَّا قصدت لَهُ وعزمت عَلَيْهِ فأورث لَهَا ذَلِك ضَرَرا فِي الدُّنْيَا ونقصا فِي الْإِيمَان ومقارفة للشرك كَمَا ذكره أَبُو عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>