للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيسمون اللديغ سليما باسم السَّلامَة وتطيرا من اسْم السقم ويسمون العطشان ناهلا أَي سنهل والنهل الشّرْب تفاؤلا باسم الرّيّ ويسمون الفلاة مفازة أَي منجاة تفاؤلا بالفوز والنجاة وَلم يسموها مهلكة لأجل الطَّيرَة وَكَانَت لَهُم مَذَاهِب فِي تَسْمِيَة أَوْلَادهم فَمنهمْ من سموهُ بأسماء تفاؤلا بالظفر على أعدائهم نَحْو غَالب وغلاب وَمَالك وظالم وعارم ومنازل وَمُقَاتِل ومعارك ومسهر ومؤرق ومصبح وطارق وَمِنْهُم من تفاءل بِالسَّلَامِ كتسميتهم بسالم وثابت وَنَحْوه وَمِنْهُم من تفاءل بنيل الحظوظ والسعادة كسعد وَسَعِيد وأسعد ومسعود وسعدى وغانم وَنَحْو ذَلِك وَمِنْهُم من قصد لتسميته بأسماء السبَاع ترهيبا لأعدائهم نَحْو أَسد وَلَيْث وذئب وضرغام وشبل وَنَحْوهَا وَمِنْهُم من قصد التَّسْمِيَة بِمَا غلظ وخشن من الْأَجْسَام تفاؤلا بِالْقُوَّةِ كحجر وصخر وفهر وجندل وَمِنْهُم من كَانَ يخرج من منزله وَامْرَأَته تمخض فيسمى مَا تلده باسم أول مَا يلقاه كَائِنا مَا كَانَ من سبع أَو ثَعْلَب أَو ضَب أَو كلب أَو ظَبْي أَو حشيش أَو غَيره وَكَانَ الْقَوْم على ذَلِك إِلَى أَن جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ وَمُحَمّد رَسُوله فَفرق بِهِ بَين الْهدى والضلال والغي والرشاد وَبَين الْحسن والقبيح والمحبوب وَالْمَكْرُوه والضار والنافع وَالْحق وَالْبَاطِل فكره الطَّيرَة وأبطلها وَاسْتحبَّ الفأل وحمده فَقَالَ لَا طيرة وَخَيرهَا الفأل قَالُوا وَمَا الفأل قَالَ الْكَلِمَة الصَّالِحَة يسْمعهَا أحدكُم وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس لَا طيرة وَلكنه فأل والفأل الْمُرْسل يسَار وَسَالم وَنَحْوه من الإسم يعرض لَك على غير ميعاد وَسُئِلَ بعض الْعلمَاء عَن الفأل فَقَالَ أَن تسمع وَأَنت قد أضللت بَعِيرًا أَو شَيْئا يَا وَاجِد أَو أَنْت خَائِف يَا سَالم وَقَالَ الْأَصْمَعِي سَأَلت ابْن عون عَن الفأل فَقَالَ أَن يكون مَرِيضا فَيسمع يَا سَالم وأخبرك عَن نَفسِي بقضية من ذَلِك وَهِي أَنِّي أضللت بعض الْأَوْلَاد يَوْم التَّرويَة بِمَكَّة وَكَانَ طفْلا فجهدت فِي طلبه والنداء عَلَيْهِ فِي سَائِر الركب إِلَى وَقت يَوْم الثَّامِن فَلم أقدر لَهُ على خبر فأيست مِنْهُ فَقَالَ لي إِنْسَان إِن هَذَا عجز اركب وادخل الْآن إِلَى مَكَّة فتطلبه فِيهَا فركبت فرسا فَمَا هُوَ إِلَّا أَن اسْتقْبلت جمَاعَة يتحدثون فِي سَواد اللَّيْل فِي الطَّرِيق وأحدهم يَقُول ضَاعَ لَهُ شَيْء فَلَقِيَهُ فَلَا أَدْرِي انْقِضَاء كَلمته كَانَ اسرع أم وجداني الطِّفْل مَعَ بعض أهل مَكَّة فِي محملة عَرفته بِصَوْتِهِ فَقَوله وَلَا طيرة وَخَيرهَا الفأل يَنْفِي عَن الفأل مَذْهَب الطَّيرَة من تَأْثِير أَو فعل أَو شركَة ويخلص الفال مِنْهَا وَفِي الْفرْقَان بَينهمَا فَائِدَة كَبِيرَة وَهِي أَن التطير هُوَ التشاؤم من الشَّيْء المرئي أَو المسموع فَإِذا استعملها الْإِنْسَان فَرجع بهَا من سَفَره وَامْتنع بهَا مِمَّا عزم عَلَيْهِ فقد قرع بَاب الشّرك بل ولجه وبرىء من التَّوَكُّل على الله وَفتح على نَفسه بَاب الْخَوْف والتعلق بِغَيْر الله والتطير مِمَّا يرَاهُ أَو يسمعهُ وَذَلِكَ قَاطع لَهُ عَن مقَام إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين وأعبده وتوكل عَلَيْهِ وَعَلِيهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب فَيصير قلبه مُتَعَلقا بِغَيْر الله عبَادَة وتوكلا فَيفْسد عَلَيْهِ قلبه وإيمانه

<<  <  ج: ص:  >  >>