للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد عَنْهَا فَلم يقل شَيْئا ثمَّ قبض وَلم ينْه عَن ذَلِك ثمَّ أَرَادَ عمر رضى الله عَنهُ أَن ينْهَى عَن ذَلِك ثمَّ تَركه وَرَأَيْت لبَعْضهِم فِي الْفرق بَين الفأل والطيرة كلَاما مَا أذكرهُ بِلَفْظِهِ قَالَ أما مَا روى أَن النَّبِي كَانَ يتفاءل وَلَا يتطير فهما وَإِن كَانَ مَعْنَاهَا وَاحِد فِي الِاسْتِدْلَال فبينهما افْتِرَاق لِأَن الفأل إبانة والتطير اسْتِدْلَال والإبانة أَكثر واشهر وأوضح وأفصح لِأَن من كَانَ فِي قلبه وضميره شَيْء فَسمع قَائِلا يَقُول أقبل الْخَيْر وامض بِسَلام أَو أبشر أَو نَحْو ذَلِك فقد اكْتفى بِمَا سمع من الِاسْتِدْلَال وَالَّذِي يرى طائرا يَصِيح أَو ينوح فَلَيْسَ مَعَه إِلَى الِاسْتِدْلَال على الْيمن بالسانح والشؤم بالبارح وَهَذَا أَمر قد يكون وَقد لَا يكون وَذَلِكَ الفأل فِي الْأَعَمّ يكون وَقَالَ آخَرُونَ إِن النَّبِي لم يكن يتطير أَي لم يكن يسند الْأُمُور الكائنة من الْخَيْر وَالشَّر إِلَى الطير كَمَا يفعل الكهنة وَقَالَ آخَرُونَ إِن النَّبِي كَانَ إِذا جلس مَعَ أَصْحَابه فَتكلم أحدهم بِخَير أَو سمع من تكلم حصهم عَلَيْهِ وعرفهم بِهِ وَمَعْلُوم أَنه لَا بُد لطائر أَن يمر سانحا أَو بارحا أَو قعيدا أَو ناطحا فَلَا يوقفهم عَلَيْهِ وَلَا يعرفهُمْ بِهِ إِذْ ذَلِك من فعل الْكُهَّان وَكَانَ الحَدِيث المروى عَنهُ أَنه كَانَ يتفاءل وَلَا يتطير من هَذَا الْمَعْنى وَقد أغْنى الله رَسُوله باخباره بارسال جِبْرِيل إِلَيْهِ بِمَا يحدثه سُبْحَانَهُ من الِاسْتِدْلَال على أحداثه بالأشياء الَّتِي ينظر فِيهَا غَيره تَفْرِقَة مِنْهُ سُبْحَانَهُ بَين النُّبُوَّة وَغَيرهَا فان قيل فَهَذَا الَّذِي نزل بِهَذَيْنِ الرجلَيْن وهما السَّائِب وحزن هَل كَانَ من أجل اسمهما أم من جِهَة غير الِاسْم قيل قد يظنّ من لَا ينعم النّظر أَن الَّذِي نزل بهما هُوَ من جِهَة اسميهما ويصحح بذلك امْر الطَّيرَة وتأثيرها وَلَو كَانَ كَمَا ظنوه لوَجَبَ أَن ينزل بِجَمِيعِ من تسمى باسميهما من أول الدَّهْر ولكان اقْتِضَاء الِاسْم لذَلِك كاقتضاء النَّار الإحراق وَالْمَاء والتبريد وَنَحْوه وَلَكِن يحمل ذَلِك وَالله أعلم على أَن الْأَمريْنِ الجاريين عَلَيْهِمَا قد تقدما فِي أم الْكتاب كَمَا تقدم لَهما أَيْضا أَن يتسميا باسميهما إِلَى أَن يخْتَار لَهما رَسُول الله وَغَيرهمَا فيرغبون عَن اخْتِيَاره ويتخلفون عَن استجابته فيعاقبا بِمَا قد سبق لَهما عُقُوبَة تطابق اسمهما ليَكُون ذَلِك زاجرا لمن سواهُمَا وَقد يكون خَوفه على اهل الْأَسْمَاء الْمَكْرُوهَة أَيْضا من مثل هَذِه الْحَوَادِث إِذْ قد تنزل بالإنسان بِلَا مَشِيئَة بِمَا فِي اسْمه فيظن هُوَ أَو جَمِيع من بلغه أَن ذَلِك كَانَ من أجل اسْمه عَاد عَلَيْهِ بشؤمه فيعصي الله عز وَجل وَقد كره قوم من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ أَن يسموا عبيدهم عبد الله أَو عبد الرَّحْمَن أَو عبد الْملك وَنَحْوه ذَلِك مَخَافَة أَن يعتقهم ذَلِك قَالَ سعيد بن جُبَير كنت عِنْد ابْن عَبَّاس سنة لَا ُأكَلِّمهُ وَلَا أعرفهُ وَلَا يعرفنِي حَتَّى أَتَاهُ يَوْمًا كتاب من امْرَأَة من أهل الْعرَاق فَدَعَا غلمانه فَجعل يكني عَن عبيد الله وَعبد الله واشباهم وَيَدْعُو يَا مِخْرَاق يَا وثاب وروى أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم

<<  <  ج: ص:  >  >>