للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّك لَا تهدي من احببت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء مَعَ قَوْله وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم فَاثْبتْ هِدَايَة الدعْوَة وَالْبَيَان وَنفي هِدَايَة التَّوْفِيق والامام وَقَالَ النَّبِي فِي نشْهد الْحَاجة من يهد الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ وَقَالَ تَعَالَى إِن تحرص على هدَاهُم فَإِن الله لايهدي من يضل أَي من يضله الله لايهتدي أبدا وَهَذِه الْهِدَايَة الثَّالِثَة هِيَ الْهِدَايَة الْمُوجبَة المستلزمة للاهتداء واما الثَّانِيَة فَشرط لاموجب فَلَا يَسْتَحِيل تخلف الْهدى عَنْهَا بِخِلَاف الثَّالِثَة فَإِن تخلف الْهدى عَنْهَا مُسْتَحِيل الْمرتبَة الرَّابِعَة الْهِدَايَة فِي الاخرة إِلَى طَرِيق الْجنَّة وَالنَّار قَالَ تَعَالَى احشرواالذين ظلمُوا وأزواجهم وَمَا كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله فاهدوهم إِلَى صِرَاط الْجَحِيم واما قَول اهل الْجنَّة الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا ان هدَانَا الله فَيحْتَمل ان يَكُونُوا ارادوا الْهِدَايَة إِلَى طَرِيق الْجنَّة وَأَن يَكُونُوا ارادوا الْهِدَايَة فِي الدُّنْيَا الَّتِي اوصلتهم إِلَى دَار النَّعيم وَلَو قيل إِن كلا الْأَمريْنِ مُرَاد لَهُم وانهم حمدوا الله على هدايته لَهُم فِي الدُّنْيَا وهدايتهم إِلَى طَرِيق الْجنَّة كَانَ احسن وابلغ وَقد ضرب الله تَعَالَى لمن لم يحصل لَهُ الْعلم بِالْحَقِّ واتباعه مثلا مطابقا لحاله فَقَالَ تَعَالَى قل اندعو من دون الله مَالا ينفعنا وَلَا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد إِذْ هدَانَا الله كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين فِي الارض حيران لَهُ اصحاب يَدعُونَهُ إِلَى الْهدى ائتنا قل إِن هدى الله هُوَ الْهدى وأمرنا لنسلم لرب الْعَالمين الْوَجْه السَّادِس وَالسَّبْعُونَ ان فَضِيلَة الشَّيْء وشرفه يظْهر تَارَة من عُمُوم منفعَته وَتارَة من شدَّة الْحَاجة اليه وَعدم الِاسْتِغْنَاء عَن وَتارَة من ظُهُور النَّقْص وَالشَّر بفقده وَتارَة من حُصُول اللَّذَّة وَالسُّرُور والبهجة بِوُجُودِهِ لكَونه محبوبا ملائما فادراكه يعقب غَايَة اللَّذَّة وَتارَة من كَمَال الثَّمَرَة المترتبة عَلَيْهِ وَشرف علته الغائية وافضاله إِلَى اجل المطالب وَهَذِه الْوُجُوه وَنَحْوهَا تنشأ وَتظهر من مُتَعَلقَة فَإِذا كَانَ فِي نَفسه كمالا وشرفا بِقطع النّظر عَن متعلقاته جمع جِهَات الشّرف وَالْفضل فِي نَفسه ومتعلقاته وَمَعْلُوم ان هَذِه الْجِهَات بأسرها حَاصِلَة للْعلم فَإِنَّهُ أَعم شَيْء نفعا واكثره وادومه وَالْحَاجة اليه فَوق الْحَاجة إِلَى الْغذَاء بل فَوق الْحَاجة إِلَى التنفس إِذْ غَايَة مايتصور من فقدهما فقد حَيَاة الْجِسْم وَأما فقد الْعلم فَفِيهِ فقد حَيَاة الْقلب وَالروح فَلَا غنى للْعَبد عَنهُ طرفَة عين وَلِهَذَا إِذا فقد من الشَّخْص كَانَ شرا من الْحمير بل كَانَ شرا من الدَّوَابّ عِنْد الله وَلَا شَيْء انقص مِنْهُ حِينَئِذٍ وَأما حُصُول اللَّذَّة والبهجة بِوُجُودِهِ فَلِأَنَّهُ كَمَال فِي نَفسه وَهُوَ ملائم غَايَة الملاءمة للنفوس فان الْجَهْل مرض وَنقص وَهُوَ فِي غَايَة الايذاء والايلام للنَّفس وَمن لم يشْعر بِهَذِهِ الملاءمة والمنافرة فَهُوَ لفقد حسه وَنَفسه وَمَا لجرح ميت إيلام فحصوله للنَّفس إِدْرَاك مِنْهَا لغاية محبوبها واتصال بِهِ وَذَلِكَ غَايَة لذتها وفرحتها وَهَذَا بِحَسب الْمَعْلُوم فِي نَفسه ومحبة النَّفس لَهُ ولذتها بِقُرْبِهِ والعلوم والمعلومات

<<  <  ج: ص:  >  >>