للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَاصَّة ثمَّ ان لم يصرف عَنهُ الْمَوَانِع والصوارف الَّتِي تمنع مُوجب الْهِدَايَة وتصرفها لم ينْتَفع بالهداية وَلم يتم مقصودها لَهُ فَإِن الحكم لَا يَكْفِي فِيهِ وجود مقتضيه بل لَا بُد مَعَ ذَلِك من عدم مانعه ومنافيه وَمَعْلُوم ان وساوس العَبْد وخواطره وشهوات الغي فِي قلبه كل مِنْهَا مَانع وُصُول اثر الْهِدَايَة اليه فَإِن لم يصرفهَا الله عَنهُ لم يهتد هدى تَاما فحاجاته إِلَى هِدَايَة الله لَهُ مقرونة بانفاسه وَهِي اعظم حَاجَة للْعَبد وَذكر النَّبِي فِي الدُّعَاء الْعَظِيم الْقدر من اوصاف الله وربوبيته مَا يُنَاسب الْمَطْلُوب فان فطر السَّمَوَات والارض توسل إِلَى الله بِهَذَا الْوَصْف فِي الْهِدَايَة للفطرة الَّتِي ابْتَدَأَ الْخلق عَلَيْهَا فَذكر كَونه فاطر السَّمَوَات والارض وَالْمَطْلُوب تَعْلِيم الْحق والتوفيق لَهُ فَذكر علمه سُبْحَانَهُ بِالْغَيْبِ وَالشَّهَادَة وان من هُوَ بِكُل شَيْء عليم جدير ان يطْلب مِنْهُ عَبده ان يُعلمهُ ويرشده ويهديه وَهُوَ بِمَنْزِلَة التوسل إِلَى الْغَنِيّ بغناه وسعة كرمه ان يعْطى عَبده شَيْئا من مَاله والتوسل إِلَى الغفور بسعة مغفرته ان يغْفر لعَبْدِهِ ويعفوه ان يعْفُو عَنهُ وبرحمته ان يرحمه ونظائر ذَلِك وَذكر ربوبيته تَعَالَى لجبريل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَهَذَا وَالله اعْلَم لَان الْمَطْلُوب هدى يحيا بِهِ الْقلب وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة الاملاك قد جعل الله تَعَالَى على ايديهم اسباب حَيَاة الْعباد اما جِبْرِيل فَهُوَ صَاحب الْوَحْي الَّذِي يوحيه الله إِلَى الانبياء وَهُوَ سَبَب حَيَاة الدُّنْيَا والاخرة واما مِيكَائِيل فَهُوَ مُوكل بالقطر الَّذِي بِهِ سَبَب حَيَاة كل شَيْء واما إسْرَافيل فَهُوَ الَّذِي ينْفخ فِي الصُّور فيحيى الله الْمَوْتَى بنفخته فَإِذا هم قيام لرب الْعَالمين وَالْهِدَايَة لَهَا ارْبَعْ مَرَاتِب وَهِي مَذْكُورَة فِي الْقُرْآن الْمرتبَة الاولى الْهِدَايَة الْعَامَّة وَهِي هِدَايَة كل مَخْلُوق من الْحَيَوَان والادمي لمصالحه الَّتِي بهَا قَامَ امْرَهْ قَالَ الله تَعَالَى سبح اسْم رَبك الاعلى الَّذِي خلق فسوى وَالَّذِي قدر فهدى فَذكر امورا اربعة الْخلق والتسوية وَالتَّقْدِير وَالْهِدَايَة فسوى خلقه واتقنه وأحكمه ثمَّ قدر لَهُ اسباب مَصَالِحه فِي معاشه وتقلباته وتصرفاته وهداه اليها وَالْهِدَايَة تَعْلِيم فَذكر انه الَّذِي خلق وَعلم كَمَا ذكر نَظِير ذَلِك فِي أول سُورَة انزلها على رَسُوله وَقد تقدم ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَن عدوه فِرْعَوْن انه قَالَ لمُوسَى فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبنَا الَّذِي اعطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى وَهَذِه الْمرتبَة اسبق مَرَاتِب الْهِدَايَة وأعمها الْمرتبَة الثَّانِيَة هِدَايَة الْبَيَان وَالدّلَالَة الَّتِي أَقَامَ بهَا حجَّته على عباده وَهَذِه لَا تَسْتَلْزِم الاهتداء التَّام قَالَ تَعَالَى وَأما ثَمُود فهديناهم فاستحبوا الْعَمى على الْهدى يَعْنِي بَينا لَهُم ودللناهم وعرفناهم فآثروا الضَّلَالَة والعمى وَقَالَ تَعَالَى وعادا وَثَمُود وَقد تبين لكم من مساكنهم وزين لَهُم الشَّيْطَان اعمالهم فصدهم عَن السَّبِيل وَكَانُوا مستبصرين وَهَذِه الْمرتبَة اخص من الاولى وأعم من الثَّانِيَة وَهِي هدى التَّوْفِيق والالهام قَالَ الله تَعَالَى وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم فَعم بالدعوة خلقه وَخص بالهداية من شَاءَ مِنْهُم قَالَ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>