للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وان قدر سَلَامَته اتِّفَاقًا نَادرا فَهُوَ غير مَحْمُود بل مَذْمُوم عِنْد الْعُقَلَاء وَكَانَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية يَقُول من فَارق الدَّلِيل ضل السَّبِيل وَلَا دَلِيل إِلَّا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول قَالَ الْحسن الْعَامِل على غير علم كالسالك على غير طَرِيق وَالْعَامِل على غير علم مَا يفْسد اكثر مِمَّا يصلح فَاطْلُبُوا اللم طلبا لَا تضروا بِالْعبَادَة واطلبوا الْعِبَادَة طلبا لَا تضروا بِالْعلمِ فَإِن قوما طلبُوا الْعِبَادَة وَتركُوا الْعلم حى خَرجُوا بِأَسْيَافِهِمْ على امة مُحَمَّد وَلَو طلبُوا الْعلم لم يدلهم على مَا فعلوا وَالْفرق بَين هَذَا وَبَين مَا قبله ان الْعلم مرتبته فِي الْوَجْه الاول مرتبَة المطاع الْمَتْبُوع المقتدى بِهِ المتبع حكمه المطاع امْرَهْ ومرتبته فِيهِ فيهذا الْوَجْه مرتبَة الدَّلِيل المرشد الى الْمَطْلُوب الْموصل إِلَى الْغَايَة الْوَجْه الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ ان النَّبِي ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ انه كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل فاطر السَّمَوَات والارض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة انت تحكم بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهدني لما اخْتلف فِيهِ من الْحق باذنك انك تهدى من تشَاء الى صِرَاط مُسْتَقِيم وَفِي بعض السّنَن انه كَانَ يكبر تَكْبِيرَة الاحرام فِي صَلَاة اللَّيْل ثمَّ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء وَالْهِدَايَة هِيَ الْعلم بِالْحَقِّ مَعَ قَصده وإيثاره على غَيره فالمهتدي هُوَ الْعَامِل بِالْحَقِّ المريد لَهُ وَهِي اعظم نعْمَة لله على العَبْد وَلِهَذَا امرنا سُبْحَانَهُ ان نَسْأَلهُ هِدَايَة الصِّرَاط الْمُسْتَقيم كل يَوْم وَلَيْلَة فِي صلواتنا الْخمس فَإِن العَبْد مُحْتَاج الى معرفَة الْحق الَّذِي يرضى الله فِي كل حَرَكَة غاهرة وباطنة فَإِذا عرفهَا فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى من يلهمه قصد الْحق فَيجْعَل إِرَادَته فِي قلبه ثمَّ إِلَى من يقدره على فعله وَمَعْلُوم ان مَا يجهله العَبْد اضعاف اضعاف مَا يُعلمهُ وَإِن كل مَا يعلم انه حق لَا تطاوعه نَفسه على غرادته وَلَو اراده لعجز عَن كثير مِنْهُ فَهُوَ مُضْطَر كل وَقت إِلَى هِدَايَة تتَعَلَّق بالماضي وبالحال والمستقبل أما الْمَاضِي فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى محاسبة نَفسه عَلَيْهِ وَهل وَقع على السداد فيشكر الله عَلَيْهِ ويستديمه ام خرج فِيهِ عَن الْحق فيتوب إِلَى الله تَعَالَى مِنْهُ ويتسغفره ويعزم على ان لَا يعود وَأما الْهِدَايَة فِي الْحَال فَهِيَ مَطْلُوبَة مِنْهُ فَإِنَّهُ ابْن وقته فَيحْتَاج ان يعلم حكم مَا هُوَ متلبس بِهِ من الافعال هَل هُوَ صَوَاب ام خطأ وَأما الْمُسْتَقْبل فحاجته فِي الْهِدَايَة اظهر ليَكُون سيره على الطَّرِيق وَإِذا كَانَ هَذَا شَأْن الْهِدَايَة علم ان العَبْد اشد شَيْء اضطرارا اليها وان مَا يُورِدهُ بعض النَّاس من السُّؤَال الْفَاسِد وَهِي انا إِذا كُنَّا مهتدين فَأَي حَاجَة بِنَا ان نسْأَل الله ان يهدينا وَهل هَذَا الا تَحْصِيل الْحَاصِل افسد سُؤال وابعده عَن الصَّوَاب وَهُوَ دَلِيل على ان صَاحبه لم يحصل معنى الْهِدَايَة وَلَا احاط علما بحقيقتها ومسماها فَلذَلِك تكلّف من تكلّف الْجَواب عَنهُ بَان الْمَعْنى ثبتنا على الْهِدَايَة وادمها لنا وَمن احاط علما بحقية الْهِدَايَة وحاجة العَبْد اليها علم ان الَّذِي لم يحصل لَهُ مِنْهَا اضعاف مَا حصل لَهُ انه كل وَقت مُحْتَاج إِلَى هِدَايَة متجددة لاسيما وَالله تَعَالَى خَالق افعال الْقُلُوب والجوارح فَهُوَ كل وَقت مُحْتَاج ان يخلق الله لَهُ هِدَايَة

<<  <  ج: ص:  >  >>