للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعمال الشاقة بِأَنْفسِهِم والاستاذ الْمعلم يجلس بأمرهم وينهاهم وَيُرِيهمْ كَيْفيَّة الْعَمَل وَيَأْخُذ اضعاف مَا يأخذونه وَقد اشار النَّبِي إِلَى هَذَا الْمَعْنى حَيْثُ قَالَ افضل الاعمال إِيمَان بِاللَّه ثمَّ الْجِهَاد فالجهاد فِيهِ بذل النَّفس وَغَايَة الْمَشَقَّة والايمان علم الْقلب وَعَمله وتصديقه وَهُوَ افضل الاعمال مَعَ ان مشقة الْجِهَاد فَوق مشقته باضعاف مضاعفة وَهَذَا لَان الْعلم يعرف مقادير الاعمال ومراتبها وفاضلها من مفضولها وراجحها من مرجوحها فصاحبه لَا يخْتَار لنَفسِهِ الا افضل الاعمال وَالْعَامِل بِلَا علم يظنّ ان الْفَضِيلَة فِي كَثْرَة الْمَشَقَّة فَهُوَ يتَحَمَّل المشاق وَإِن كَانَ مَا يعانيه مفضولا وَرب عمل فَاضل والمفضول اكثر مشقة مِنْهُ وَاعْتبر هَذَا بِحَال الصّديق فَإِنَّهُ افضل الامة وَمَعْلُوم ان فيهم من هُوَ اكثر عملا وحجا وصوما وَصَلَاة وَقِرَاءَة مِنْهُ قَالَ ابو بكر بن عَيَّاش مَا سبقكم ابو بكر بِكَثْرَة صَوْم وَلَا صَلَاة وَلَكِن بِشَيْء وقر فِي قلبه وَهَذَا مَوْضُوع الْمثل الْمَشْهُور

من لي بِمثل سيرك المدلل ... تمشى رويدا وتجي فِي الاول الْوَجْه الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ ان الْعلم إِمَام الْعَمَل وقائد لَهُ وَالْعَمَل تَابع لَهُ ومؤتم بِهِ فَكل عمل لَا يكون خلف الْعلم مقتديا بِهِ فَهُوَ غير نَافِع لصَاحبه بل مضرَّة عَلَيْهِ كَمَا قَالَ بعض السّلف من عبد الله بِغَيْر علم كَانَ مَا يفْسد أَكثر مِمَّا يصلح وألاعمال إِنَّمَا تَتَفَاوَت فِي الْقبُول وَالرَّدّ بِحَسب موافقتها للْعلم ومخالفتها لَهُ فَالْعَمَل الْمُوَافق للْعلم هُوَ المقبول والمخالف لَهُ هُوَ الْمَرْدُود فالعلم هُوَ الْمِيزَان وَهُوَ المحك قَالَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة ليَبْلُوكُمْ ايكم احسن عملا وَهُوَ الْعَزِيز الغفور قَالَ الفضيل بن عِيَاض هُوَ اخلص الْعَمَل واصوبه قَالُوا يَا ابا عَليّ مَا اخلصه واصوبه قَالَ ان الْعَمَل إِذا كَانَ خَالِصا وَلم يكن صَوَابا لم يقبل وَإِذا كَانَ صَوَابا وَلم يكن خَالِصا لم يقبل حَتَّى يكون خَالِصا وصوابا فالخالص ان يكون لله وَالصَّوَاب ان يكون على السّنة وَقد قَالَ تَعَالَى فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه احدا فَهَذَا هُوَ الْعَمَل المقبول الَّذِي لَا يقبل الله من الاعمال سواهُ وَهُوَ ان يكون مُوَافقا لسنة رَسُول الله مرَادا بِهِ وَجه الله وَلَا يتَمَكَّن الْعَامِل من الاتيان بِعَمَل يجمع هذَيْن الوصفين إِلَّا بِالْعلمِ فَإِنَّهُ إِن لم يعلم مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول لم يُمكنهُ قَصده وَإِن لم يعرف معبوده لم يُمكنهُ إِرَادَته وَحده فلولا الْعلم لما كَانَ عمله مَقْبُولًا فالعلم هُوَ الدَّلِيل على الاخلاص وَهُوَ الدَّلِيل على الْمُتَابَعَة وَقد قَالَ الله تَعَالَى إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ واحسن مَا قيل فِي تَفْسِير الاية إِنَّه إِنَّمَا يتَقَبَّل الله عمل من اتَّقَاهُ فِي ذَلِك الْعَمَل وتقواه فِيهِ ان يكون لوجهه على مُوَافقَة امْرَهْ وَهَذَا إِنَّمَا يحصل بِالْعلمِ وَإِذا كَانَ هَذَا منزلَة الْعلم وموقعه علم انه اشرف شَيْء واجله وافضله وَالله أعلم الْوَجْه الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ ان الْعَامِل بِلَا علم كالسائر بِلَا دَلِيل وَمَعْلُوم ان عطب مثل هَذَا اقْربْ من سَلَامَته

<<  <  ج: ص:  >  >>