للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوضع الْبَيْت الْحَرَام وَوَجَب حجه على النَّاس إِقَامَة لذكره الَّذِي هُوَ من تَوَابِع محبته وَالرِّضَا بِهِ وَعنهُ ولاجل هَذَا امْر بِالْجِهَادِ وَضرب اعناق من اباه وآثر غَيره عَلَيْهِ وَجعل لَهُ فِي الاخرة دَار الهوان خَالِدا مخلدا وعَلى هَذَا الامر الْعَظِيم اسست الْملَّة ونصبت الْقبْلَة وَهُوَ قطب رحى الْخلق والامر الَّذِي مدارهما عَلَيْهِ ولاسبيل إِلَى الدُّخُول إِلَى ذَلِك إِلَّا من بَاب الْعلم فَإِن محبَّة الشَّيْء فرع عَن الشُّعُور بِهِ واعرف الْخلق بِاللَّه اشدهم حبا لَهُ فَكل من عرف الله احبه وَمن عرف الدُّنْيَا واهلها زهد فيهم فالعلم يفتح هَذَا الْبَاب الْعَظِيم الَّذِي هُوَ سر الْخلق وَالْأَمر كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْوَجْه التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ ان اللَّذَّة بالمحبوب تضعف وتقوى بِحَسب قُوَّة الْحبّ وَضَعفه فَكلما كَانَ الْحبّ اقوى كَانَت اللَّذَّة اعظم وَلِهَذَا تعظم لَذَّة الظمآن بِشرب المَاء الْبَارِد بِحَسب شدَّة طلبه للْمَاء وَكَذَلِكَ الجائع وَكَذَلِكَ من احب شَيْئا كَانَت لذته على قدر حبه إِيَّاه وَالْحب تَابع للْعلم بالمحبوب وَمَعْرِفَة جماله الظَّاهِر وَالْبَاطِن فلذة النّظر إِلَى الله بعد لِقَائِه بِحَسب قُوَّة حبه وإرادته وَذَلِكَ بِحَسب الْعلم بِهِ وبصفات كَمَاله فَإِذا الْعلم هُوَ اقْربْ الطّرق إِلَى اعظم اللَّذَّات وَسَيَأْتِي تَقْرِير هَذَا فِيمَا بعد ان شَاءَ الله تَعَالَى الْوَجْه الثَّمَانُونَ ان كل مَا سوى الله يفْتَقر الى الْعلم لاقوام لَهُ بِدُونِهِ فَإِن الْوُجُود وجودان وجود الْخلق وَوُجُود الامر والخلق وَالْأَمر مصدرهما علم الرب وحكمته فَكل ماضمه الْوُجُود من خلقه وامره صادر عَن علمه وحكمته فَمَا قَامَت السَّمَوَات والارض وَمَا بَينهمَا الا بِالْعلمِ وَلَا بعثت الرُّسُل وأنزلت الْكتب إِلَّا بِالْعلمِ ولاعبد الله وَحده وَحمد واثنى عَلَيْهِ ومجد إِلَّا بِالْعلمِ ولاعرف الْحَلَال من الْحَرَام إِلَّا بِالْعلمِ ولاعرف فضل الاسلام على غَيره الا بِالْعلمِ وَاخْتلف هُنَا فِي مسئلة وَهِي ان الْعلم صفة فعلية اَوْ انفعالية فَقَالَت طَائِفَة هُوَ صفة فَعَلَيهِ لانه شَرط اَوْ جُزْء وَسبب فِي وجود الْمَفْعُول فَإِن الْفِعْل الِاخْتِيَارِيّ يَسْتَدْعِي حَيَاة الْفَاعِل وَعلمه وَقدرته وإرادته وَلَا يتَصَوَّر وجوده بِدُونِ هَذِه الصِّفَات وَقَالَت طَائِفَة هُوَ انفعالي فَإِنَّهُ تَابع للمعلوم مُتَعَلق بِهِ على مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِن الْعَالم يدْرك الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ فادراكه تَابع لَهُ فَكيف يكون مُتَقَدما عَلَيْهِ وَالصَّوَاب ان الْعلم قِسْمَانِ علم فعلى وَهُوَ علم الْفَاعِل الْمُخْتَار بِمَا يُرِيد ان يَفْعَله فَإِنَّهُ مَوْقُوف على ارادته الْمَوْقُوفَة على تصَوره المُرَاد وَعلمه بِهِ فَهَذَا علم قبل الْفِعْل مُتَقَدم عَلَيْهِ مُؤثر فِيهِ وَعلم انفعالي وَهُوَ الْعلم التَّابِع للمعلوم الَّذِي لَا تَأْثِير لَهُ فِيهِ كعلمنا بِوُجُود الانبياء والامم والملوك وَسَائِر الموجودات فَإِن هَذَا الْعلم لَا يُؤثر فِي الْمَعْلُوم وَلَا هُوَ شَرط فِيهِ فَكل من الطَّائِفَتَيْنِ نظرت جزئيا وحكمت كليا وَهَذَا مَوضِع يغلط فِيهِ كثير من النَّاس وكلا الْقسمَيْنِ من الْعلم صفة كَمَال وَعَدَمه من اعظم النَّقْص يُوضحهُ الْوَجْه الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ ان فَضِيلَة الشَّيْء تعرف بضده فالضد يظْهر حسنه الضِّدّ وبضدها نتبين الاشياء وَلَا ريب ان الْجَهْل اصل كل فَسَاد وكل ضَرَر يلْحق العَبْد فِي دُنْيَاهُ واخراه فَهُوَ نتيجة

<<  <  ج: ص:  >  >>