للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاعْتِلَالِ أَنَّ ابْنَ الْأَخِ يُشَارِكُ الْجَدَّ فِي الْمِيرَاثِ; لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا ابْنُ ابْنِ الْأَبِ، وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ، وَلَوْ تَرَكَ أَبًا وَابْنَ ابْنٍ كَانَ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ لِابْنِ الِابْنِ.

قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَبْنَاءَ لَا يُثَابُونَ عَلَى طَاعَةِ الْآبَاءِ وَلَا يُعَذَّبُونَ عَلَى ذُنُوبِهِمْ. وَفِيهِ إبْطَالُ مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَعْذِيبَ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ بِذُنُوبِ الْآبَاءِ، وَيُبْطِلُ مَذْهَبَ مَنْ يَزْعُمُ مِنْ الْيَهُودِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ بِصَلَاحِ آبَائِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَقَالَ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور: ٥٤] . وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لِأَبِي رِمْثَةَ وَرَآهُ مَعَ ابْنِهِ "أَهُوَ ابْنُك؟ " فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: "أَمَا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ". وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "يَا بَنِي هَاشِمٍ لَا يَأْتِينِي النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ وَتَأْتُونَ بِأَنْسَابِكُمْ فَأَقُولُ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا" وَقَالَ: "مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ".

قَوْله تَعَالَى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} إخْبَارٌ بِكِفَايَةِ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ أَعْدَائِهِ، فَكَفَاهُ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَحِرْصِهِمْ، فَوَجَدَ مُخْبِرَهُ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَهُوَ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: ٦٧] فَعَصَمَهُ مِنْهُمْ وَحَرَسَهُ مِنْ غَوَائِلِهِمْ وَكَيْدِهِمْ وَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ; إذْ غَيْرُ جَائِزٍ اتِّفَاقُ وُجُودَ مُخْبِرِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ إلَّا وَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ; إذْ غَيْرُ جَائِزٍ وُجُودُ مُخْبِرِ أَخْبَارِ الْمُتَخَرِّصِينَ وَالْكَاذِبِينَ عَلَى حَسَبِ مَا يُخْبِرُونَ، بَلْ أَكْثَرُ أَخْبَارِهِمْ كَذِبٌ وَزُورٌ يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ لِسَامِعِيهِ، وَإِنَّمَا يَتَّفِقُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الشَّاذِّ النَّادِرِ إنَّ اتَّفَقَ.

قَوْله تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يصلي بِمَكَّةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: كَانَ التَّحْوِيلُ إلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. وَقَالَ قَتَادَةَ: "لِسِتَّةَ عَشَرَ" وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ حَوَّلَهَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} وقَوْله تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} . فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>