عَلَى كَوْنِ الْإِذْنِ شَرْطًا فِي جَوَازِ النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ وَاجِبًا, وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" ; أَنَّ السَّلَمَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ, وَلَكِنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَنْ يُسْلِمَ فَعَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ, كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَتْمًا فَعَلَيْهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ; حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن شاذان قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَلَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ". حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَطَّابِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ". وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "نِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ زِنًا". وَرَوَى هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ نَافِعٍ: "أَنَّ مَمْلُوكًا لِابْنِ عُمَرَ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَضَرَبَهُمَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءِ أَعْطَاهَا". وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ: "إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَالْأَمْرُ إلَى الْمَوْلَى إنْ شَاءَ أَجَازَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ". وَقَالَ عَطَاءُ: "نِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَيْسَ بِزِنًا وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ". وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ خِلَاسٍ: "أَنَّ غُلَامًا لِأَبِي مُوسَى تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ, فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ, فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَعْطَاهَا الْخُمُسَيْنِ وَأَخَذَ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاتَّفَقَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا, وَإِنَّمَا رُوِيَ الْحَدُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ, وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ جَلَدَهُمَا تَعْزِيرًا لَا حَدًّا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ حَدٌّ. وَاتَّفَقَ عَلِيٌّ وَعُمَرُ فِي الْمُتَزَوِّجَةِ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا, وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ خَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ. وَالْعَبْدُ الَّذِي تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ أَيْسَرُ أَمْرًا مِنْ الْمُتَزَوِّجَةِ فِي الْعِدَّةِ; لِأَنَّ ذَلِكَ نِكَاحٌ تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ عِنْدَ عَامَّةِ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ, وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ لَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ عِنْدَ أَحَدٍ; وَتَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥] وَتَحْرِيمُ نِكَاحِ الْعَبْدِ مِنْ جِهَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالنَّظَرِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ: "هُوَ عَاهِرٌ" , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ". قِيلَ لَهُ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُرَادٍ بِقَوْلِهِ: "وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" لِأَنَّهُ لَا يُرْجَمُ إذَا زَنَى, وَإِنَّمَا سَمَّاهُ عَاهِرًا عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّشْبِيهِ بِالزِّنَى لِإِقْدَامِهِ عَلَى وَطْءٍ مَحْظُورٍ; وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ" وَذَلِكَ مَجَازٌ, فَكَذَلِكَ قوله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute