للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْكِتَابِ قَدْ أَكْذَبَهَا الْكِتَابُ, وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَهْرٌ وَيَسْتَبِيحُ بُضْعَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ فَهَذَا مَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَهُ; فَحَصَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ بَاطِلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: دَعْوَاهُ عَلَى الْكِتَابِ, وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْكِتَابَ بِخِلَافِ مَا قَالَ. وَالثَّانِي دَعْوَاهُ عَلَى بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ, بَلْ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ بِالْعَقْدِ لِامْتِنَاعٍ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ بِغَيْرِ بَدَلٍ, ثُمَّ يَسْقُطُ فِي الثَّانِي حِينَ يَسْتَحِقُّهُ الْمَوْلَى لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ وَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ مَالَهَا وَلَا يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ, فَهَهُنَا حَالَانِ: إحْدَاهُمَا حَالٌ الْعَقْدُ يُثْبِتُ فِيهَا الْمَهْرَ عَلَى الْعَبْدِ, وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ هِيَ حَالُ انْتِقَالِهِ إلَى الْمَوْلَى بَعْدَ الْعَقْدِ, فَيَسْقُطُ, كَمَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ مَالٌ فَقَضَاهُ إيَّاهُ كَانَ لَمَّا قَبَضَهُ حَالَانِ: إحْدَاهُمَا حَالُ قَبْضِهِ فَيَمْلِكُهُ مَضْمُونًا بِمِثْلِهِ ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَيْهِ, وَكَمَا يَقُولُ فِي الْوَكِيلِ فِي الشِّرَى إنَّ الْمُشْتَرَى انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَمْلِكُهُ وَيَنْتَقِلُ فِي الثَّانِي مِلْكُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ, وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ لَا يَفْهَمُهَا إلَّا مَنْ ارْتَاضَ الْمَعَانِيَ الْفِقْهِيَّةَ وَجَالَسَ أَهْلَ فِقْهِ هَذَا الشَّأْنِ وَأَخَذَ عَنْهُمْ.

قَوْله تَعَالَى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: فَانْكِحُوهُنَّ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ; وَأَمَرَ بِأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَطْؤُهَا عَلَى وَجْهِ الزِّنَا; لِأَنَّ الْإِحْصَانَ هَهُنَا النِّكَاحُ وَالسِّفَاحَ الزِّنَا. {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} يَعْنِي: لَا يَكُونُ وَطْؤُهَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَادَةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي اتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ; قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كَانَ قَوْمٌ مِنْهُمْ يُحَرِّمُونَ مَا ظَهَرَ مِنْ الزِّنَا وَيَسْتَحِلُّونَ مَا خَفِيَ مِنْهُ "; وَالْخِدْنُ هُوَ الصَّدِيقُ لِلْمَرْأَةِ يَزْنِي بِهَا سِرًّا, فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطْنَ وَزَجَرَ عَنْ الْوَطْءِ إلَّا عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِلْكِ يمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>