للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً} فَإِنَّهُ قِيلَ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ هَذَا الْوَعِيدُ وُجُوهُ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ, فَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: "فِي قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ خَاصَّةً". وَقِيلَ: إنَّهُ عَائِدٌ عَلَى فِعْلِ كُلِّ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ. وَقِيلَ: مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} [النساء: ١٩] لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مَقْرُونٌ بِالْوَعِيدِ, وَالْأَظْهَرُ عَوْدُهُ إلَى مَا يَلِيهِ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ. وقيد الوعيد بقوله: {عُدْوَاناً وَظُلْماً} لِيَخْرُجَ مِنْهُ فِعْلُ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَمَا كَانَ طَرِيقَهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكَامِ إلَى حَدِّ التَّعَمُّدِ وَالْعِصْيَانِ. وَذَكَرَ الظُّلْمَ وَالْعُدْوَانَ مَعَ تَقَارُبِ مَعَانِيهِمَا; لِأَنَّهُ يَحْسُنُ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ, كَقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:

وَقَدَدْتُ الْأَدِيمَ لِرَاهِشِيهِ ... وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا

وَالْكَذِبُ هُوَ الْمَيْنُ; وَحَسُنَ الْعَطْفُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ. وَكَقَوْلِ بِشْرِ بْنِ حَازِمٍ:

فَمَا وَطِئَ الْحَصَى مِثْلُ ابْنِ سُعْدَى ... وَلَا لَبِسَ النِّعَالَ وَلَا احْتَذَاهَا

وَالِاحْتِذَاءُ هُوَ لُبْسُ النَّعْلِ. وَكَمَا تَقُولُ: بُعْدًا وَسُحْقًا, وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ, وَحَسُنَ لَاخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>