للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ مِيرَاثُهُمْ بِقَضِيَّةِ الْآيَةِ; إذْ كَانَتْ إنَّمَا نَقَلَتْ مَا كَانَ لَهُمْ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا وُجِدُوا, فَإِذَا لَمْ يُوجَدُوا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ مَا يُوجِبُ نَسْخَهَا, فَهِيَ ثَابِتَةُ الْحُكْمِ مُسْتَعْمَلَةٌ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْمِيرَاثِ عِنْدَ فَقْدِ ذَوِي الْأَرْحَامِ.

وَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ وَبَقَائِهِ عِنْدَ عَدَمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ, وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو داود قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَوْهَبٍ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ تَمِيمِ الدَّارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: "هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ", فَقَوْلُهُ: "هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَمَاتِهِ" يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَاهُمْ بِمِيرَاثِهِ; إذْ لَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ بَيْنَهُمَا وِلَايَةٌ إلَّا فِي الْمِيرَاثِ, وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} يَعْنِي وَرَثَةً. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ. وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَسْلَمَ فَوَالَى رَجُلًا هَلْ بِذَلِكَ بَأْسٌ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ, قَدْ أَجَازَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ قَوْمٍ ضَمِنُوا جَرَائِرَهُ وَحَلَّ لَهُمْ مِيرَاثُهُ". وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ فَمِيرَاثُهُ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ". وَقَدْ رَوَى أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ" وَقَالَ: "لَا يَتَوَلَّى مَوْلَى قَوْمٍ إلَّا بِإِذْنِهِمْ", وَقَدْ حَوَى هَذَا الْخَبَرُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: جَوَازُ الْمُوَالَاةِ; لِأَنَّهُ قَالَ: "إلَّا بِإِذْنِهِمْ" فَأَجَازَ الْمُوَالَاةَ بِإِذْنِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوِلَايَةٍ إلَى غَيْرِهِ, إلَّا أَنَّهُ كَرِهَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَوَّلِينَ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ إلَّا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ; لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُ; وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ".

فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ, وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً" قَالَ: فَهَذَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حِلْفِ الْإِسْلَامِ وَمَنْعَ التَّوَارُثِ بِهِ. قِيلَ لَهُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيِ الْحِلْفِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانُوا يَتَحَالَفُونَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَذَلِكَ; لِأَنَّ حِلْفَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَنْ يُعَاقِدَهُ فَيَقُولُ: "هَدْمِي هَدْمُكَ وَدَمِي دَمُكَ وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ" وَكَانَ فِي هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>